القطيف الواحة التي نتحسر على جمال طبيعتها
الاسم مشتق من ”قطاف“ حيث كانت القطيف واحة جميلة بطبيعتها في بساتينها ومزارعها وبحارها، لكنه من أجل المال ضاعت البساتين والمزارع وخربت السدود، وجرفت جرافاتهم أشجار المنجروف من على سواحلها الجميلة، فهاجرت الطيور التي تعشش فيها، وحرموا الأسماك من أفضل مكان يتكاثر فيه، ومن أجل المال صار كل شيء في القطيف ذكرى من الماضي!
جفت المياه الطبيعية في واحة القطيف من كل العيون التي ظلت في جوفها لعصور غابرة، وتحولت بساتينها ومزارعها والبحيرات التي كانت أشجار المنجروف تتكاثر فيها إلى قطع أراضي تباع على الناس بأغلى الأثمان، وأصبحت تلك الواحة الجميلة أرضًا قاحلة يخيم الصمت الرهيب على جمال ما تبقى من بساتينها ومزارعها، نتحسر على جمالها حينما ننظر إلى الصور الجميلة في الزمن الجميل المعلقة على جدران منازلنا يبكيها عشاقها الذين يأملون أن تعود من جديد لكن ذلك مستحيل.
جمال الطبيعة في بلدتي ”جزيرة تاروت“ قد انتهى! مثلما تصرم ذلك الجمال في كل قرى القطيف من شمالها إلى جنوبها ومن غربها إلى شرقها، بعد أن جفت مياهها ودمرت كل البساتين والمزارع الجميلة التي تحيط بها وقطعوها إلى أراضي صغيرة، ولم تعد تلك الجزيرة الجميلة محطة ترانزيت لمختلف الطيور المهاجرة في استراحة قصيرة لها من عناء الهجرة السنوية لتستريح فوق أشجار بساتينها ومزارعها كما كانت سابقًا، حيث يستأنسوا الناس بصيدها في موسم يسمى ”الحَبَال“.
جزيرة تاروت كانت عبارة عن محمية طبيعية تتلألأ على الخليج العربي تضم العديد من النباتات والأشجار والحيوانات مثل: نبات القرم الذي يتكاثر على مياهها المالحة وتغطي أشجار المنجروف معظم سواحلها، وكانت تستوطنها مختلف الحيوانات البرية التي تتكاثر بين أدغالها حيث تتغذى على مختلف الثديات التي تتكاثر في ”المساقي“ جمع الساقية التي تسقي أشجار النخيل وغيرها على مدار الساعة وتختلط بمياه البحر في نهايتها.
في الماضي الجميل تهمد أصوات الليل مع انقشاع ضوء النهار فيسكت كل شيء في بلادنا، حتى أصوات طقطقة كؤوس الشاي المخدر في المقاهي الشعبية قد سكتت عندما أَغلقت أبوابها، سكت كل شيء وصار الناس يدخلون إلى منازلهم مع بداية عتمة الليل يلملمون أتعابهم بانتظار أصوات الصباح ليوم جديد، الذي يبدأ بصوت الأذان وقراءة القرآن الكريم من على شرفات المنازل، وحينها تسمع أصوات الطيور والعصافير الصغيرة تتراقص على تيجان الأشجار في البساتين، وعلى ساحل البحر تسمع صيحات طيور البحر وهي ترفرف بأجنحتها قبل أن تأتي أصوات الناس وهم ذاهبون إلى أعمالهم.
بين الفترة والأخرى نلملم شتاتنا مع زملاء الطفولة والصبا ونعيد شريط الذكريات في ”الديرة“ نمر على دور الطين بين صاباتها فنتذكر الناس الطيبين الذين كانوا يسكنوها نترحم عليهم، نمشي بين الأزقة والصابات ونرى رجلًا مسنًا يسحب أقدامه غصبًا فنقف أمامه نلقي عليه التحية والسلام ونقبل جبينه فنرى آثار التعب مرسومًا عليها، ونهمس بإذنه نصيح خبرنا عن أحوال ديرتنا، الآن أحسن لو قبل؟ لكنه عندما سمع الرجل سؤالنا نكس برأسه وطاح من عينه دمع!
بعدها تنوهذ شايبنا ومسك جدار الطين وعلى الدچة جلس، صاح: يا أولادي أنتم من أي بلد؟ قلنا له إحنا من أهل هالديرة الكرام وصاح والنعم بأولادنا بس يا أولادي ما ظل شيء مثل أول كل شيء تغير واخترب، وحتى أعطيكم الإجابة وافتح معاكم الكلام أنا بسألكم كم سؤال: إنتوا شفتوا سعف نخلة الخنيزية والبچيرة داخل ليوان بيتنا تضلله؟ وإنتوا شفتوا عين العودة وحمام باشا إلي نسبح فيهم كل صباح وكل مساء؟ راحت النعمة ومن راحت بعد ما ظل في الديرة نخل! حتى تسألوني وين أحسن هالزمن لو ذاك الزمان!
وفي الختام ظل يسولف حجينا وعينه تهمل بالدمع! ويحچي عن تجار وباعة كلهم من أهل البلد كانت دكاكينهم في هذا المكان، لكن اليوم دخل علينا الأجنبي وحوش على كل شيء وجلس ووضاعنا كلها تخربشة، وأكمل لينا يقول قبل كنا نلتم بين صابات الفريچ والأبواب كلها مفتحة، نأكل كسرة الخبز ونشارك فيها بعض، واليوم ما أدري ويش صار بهالزمن ماتت العشرة بعد ما كنا نتقاسم كأس اللبن، وصار كل واحد فينا يتفاخر على الآخر بنوع سيارته داخل ڤلته، وكم رصيده صار في البنك!
* ”الحَبَالْ“ طلعات يومية يقوم بها البعض من الناس إلى البساتين والمزارع والبراري في الماضي، لصيد مختلف الطيور المهاجرة، حاملين أفخاههم ”جمع فخ وهو الآلة الذي يصطادون بها مختلف الطيور الموسمية المهاجرة“ في رحلة تعرف ب ”الحبال“.