مهنة المحاماة وثقافتنا المحلية
مهنة المحاماة من المهن التي لها أهمية خاصة، وكلما تقدمت المجتمعات وزاد نمط التعقيد وتعددت المصالح بين الناس أنفسهم أو بينهم وبين الكيانات المختلفة التي يتعاملون معها زادت الحاجة لوجود أنظمة وقوانين وبالتالي تلقائياً تزيد الحاجة لوجود محامين. لذا نجد أن مهنة المحاماة تطورت أكثر وأخذت مكانتها وأهميتها في الدول المتقدمة أكثر من غيرها.
تعبر مهنة المحاماة في مجتمعاتنا من المهن غير الأصيلة، إذ لم يكن نمط الحياة في معظمه يتطلب مثل هذه المهنة والحاجة إليها هي في أدنى مستوياتها وبالتالي يمكننا اعتبارها أنها من المهن الدخيلة الحديثة بعض الشيء على مجتمعاتنا رغم وجود بعض الاستثناءات التي لا حكمها لها كما يقال. فحتى في ثقافتنا المحلية لا نكاد نرى أي استدلال أو تشبيه أو أمثلة تضرب أو تقاس بهذه المهنة العظيمة، بل لا نكاد نرى أي ذكر لها. فطلبة العلوم الدينية كمثال عادة ما يستخدمون مهنة الطب وعمل الطبيب كمثال لتقريب المعنى لبيان الأحكام الدينية وطبيعة مهام طلبة العلوم الدينية في نقاشاتهم المختلفة، في الجانب الآخر ورغم الفارق الكبير والمقارنة الظالمة يتلقى طلبة العلوم الدينية الانتقادات المختلفة من قبل ”المناوئين لهم“ ولمنهجيتهم عبر تشبيههم بالوضع الكنسي في العصور الوسطى ”من القرن الخامس حتى الخامس عشر“.
والحقيقية أن التشابه بين آلية ومنهجية الفقه الديني والفقه القانوني هو تشابه كبير، بل أن العلاقة بينهما متداخلة، وربما أمكننا الربط بين ما ينطبق على آلية ومنهجية الفقه الديني وآلية الفقه القانوني، حيث أن فقهاء القانون وفقهاء العلوم الدينية كلاهما يستندان على النصوص والقواعد والاستدلالات بمنهجية واحدة تقريباً. والقضاء بمجمله في المملكة - على سبيل المثال - يقوم به رجال الفقه الديني الذين يجمعون بين الفقه الديني والفقه القانوني، ولكن يبدو حتى الآن أن هذا القرب والشبه غير ملاحظ اجتماعيا وثقافيا وكأنه غير مرغوب الاعتراف به، فالفقيه القانوني سواء كان قاضياً أو محامياً غير موجود في ثقافتنا المحلية سواء المكتوبة أو المحكية المتداولة.
المثال الآخر لضعف الثقافة القانونية في البيئة المحلية هو إساءة ترجمة سؤال القاضي في بداية الجلسة القضائية لممثلي أطراف الدعوى إذا ما كان وكيلاً أو محامياً بأنه شبيه بسؤال المستشفى الخاص للمريض قبل الدخول على الطبيب عما إذا كان لديه تأمين أم لا!
أمام هذا الوضع، يبدو أن القادم يدعو للتفاؤل أكثر، فقد صل عدد الكليات التي تدرس القانون في المملكة حسب الإحصائيات المتوفرة إلى 14 كلية متخصصة بدارسة القانون ”بمسميات متعددة“، كما تشير إحصائية وزارة العدل ”إحصائية شوال1442“ إلى ما يقارب 18 ألف محام ومحامية سعودية يعملون في المملكة، منهم أكثر من 8200 محامي/ة ما زالوا يتدربون في مكاتب المحاماة. فمثل هذه الأرقام إضافة للتغيرات السريعة التي تجري لمرفق القضاء كلها تشير وتؤكد على أن ثقافتنا المحلية معرضة أكثر من أي وقت مضى إلى حالة من التخصيب عالي الكثافة بالثقافة القانونية القادر على خلق وتعميق الثقافة القانونية في المجتمع بكل شرائحه.