الاجتهاد بالرأي والاجتهاد مقابل النص «فلكيا».. مبنى وحدة الأفق نموذجا
في حال عدم توفر النص، يرجع الفقيه إلى تفكيره الشخصي لاستنباط الحكم الشرعي ويبني عليه، وهذا ماحصل في مبنى وحدة الأفق. أنا في المقال السابق ذكرت أن أهمّ إشكال يرد على نظرية الاشتراك في الليل من الجهة الشرعية أنه لا توجد روايةٌ واحدة - ولو ضعيفةٌ - تجعل الملاك في التفريق بين بلد وآخر بمعيار اشتراكهما واختلافهما في الليل، وكذلك مبنية على تشخيص خاطئ فلكيا.
أنا لم أذكر هذا الشيء من فراغ ولم اختر عنوان المقال للإثارة، بل أعني ما أقول لأني أعرف حيثيات الجانب الشرعي لهذا المبنى بالتفصيل، فجميع الروايات التي استشهد بها فقهاء مبنى وحدة الأفق والتي فهموا منها أن بداية الشهر القمري يكون لجميع بقاع الأرض قد تراجعوا عنها لأنها غير قابلة للتطبيق، فبالتالي سقطت ولا وجود للدليل الشرعي.
أما فقهاء المبنى الآخر فاستحضروا جميع الروايات ومن بينها روايات يفهم منها الاختلاف في الآفاق وطبقوا القواعد الأصولية على جميع الروايات فأصابوا الواقع فمبنى اختلاف الآفاق هو المشهور وكوني ومطابق للرؤية الفعلية للهلال.
من جهة أخرى، كثير مايردد رجال الدين في حِواراتهم أن العامة لا يفرقون بين الشهر الشرعي والشهر الفلكي في حين هم أيضا عندهم قصور في فهم الشهر الشرعي وبالتأكيد عدم معرفة الشهر الفلكي لأن مبنى وحدة الأفق يعتمد الشهر الفلكي وسأوضح ذلك:
- رجال الدين يُعَرِّفون بداية الشهر الشرعي بقابلية رؤية الهلال في الأفق في حين يجهلون شرطا كونيا أساسيا وهو أن الرؤية تكون عند غروب الشمس وهذا مالا يتحقق في مبنى وحدة الأفق.
- وَيُعَرِّفون بداية الشهر الفلكي بولادة الهلال الذي هو بعد حدوث الاقتران ولايعرفون غير ذلك في حين أن المشكلة تقع في تحديد بداية الشهر الفلكي على الأرض لأن لحظة الاقتران المركزي هي لحظة عالمية واحدة ويحدث ذلك في أية لحظة من الليل أو النهار، إذ لا علاقة للموقع الجغرافي في ذلك.
ولذلك استخدمت بعض البلدان معايير لتحديد بداية الشهر الفلكي ومن هذه المعايير:
1 - بداية اليوم الأول من غروب الشمس الذي يلي المحاق
2 - بداية اليوم الأول من طلوع الفجر الذي يلي المحاق
3 - بداية اليوم الساعة 12 مساءً الذي يلي المحاق
4 - حساب الاقتران السطحي
5 - حساب الاقتران المركزي
ويتضح أن هذه المعايير لا تستند إلى مقياس كوني أو شرعي لبداية الشهر الفلكي، وهذا ينطبق أيضا على مبنى وحدة الأفق لاكن مع الفارق، فهم استخدموا معايير بداية الشهر لبلد المكلف الواقع شرق بلد الرؤية مثل الاشتراك بجزء من الليل واغلب الليل والبلاد الاسلامية القديمة وقس على هذا الاشتراك في ثلثي الليل ونصفه وثلثه بلا ضابط كوني أو شرعي وإنما اعتباري. فالأدلة مستفيضة على عدم صحة مبنى وحدة الأفق، وهو يتعارض مع كروية الأرض والشهر الكوني/الشرعي وتطبيق واحد من تطبيقات الأجهزة الذكية لرصد السماء كاف لإثبات عدم صحته.
وختاما، لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا برواية واحدة على مبنى وحدة الأفق ما استطاعوا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا وأنا على أتم استعداد للحوار.