الدِّين وقيم الحب
تُقبل المناسبات الدينية محملة بالقيم والمبادئ والمعاني السامية، تهب لتمطر علينا عظتها وعبرتها، ومن ثم تحفز فينا حس الخير ونبض المحبة.
حزن تلك المناسبات وحزينها يهبنا الصبر والتحمل، وفرحها ومفرحها يمنحنا القوة والنشوة، وبين محزنها ومفرحها ترتهن استفادتنا منها بوعينا وإدراكنا للظروف والتغيرات، وكل ما يرتبط بساحاتنا من مستجدات.
ولأن طبيعة المناسبات الدينية هي أن تخدم القيم والمبادئ، وتذكر بالله سبحانه وتعالى وبما أولاه لنا من نعم وعطايا، مستشهدة برجال صدقوا الله حبهم، فباعوا مهجهم وأرواحهم ليشتروا جنته ورضوانه - وهذا ما يبرع الخطباء وتبدع المنابر في إشباعه وبسط الحديث فيه - فقد وددت الإشارة إلى بعض الأمور التي أخالها مهمة في الظروف التي يمر بها عالمنا العربي كله.
- التأكيد على خطاب المحبة للناس جميعاً، فقد ورد عن رسول الله ﷺ «الخلق كلهم عيال الله، فأحبهم إليه أنفعهم لعياله».
نحن أحوج من أي وقت مضى لخطاب الحب، ضمن شعار واضح وبيّن «الخلق عيال الله»، خطاب المساواة والمحبة والنفع للخلق أجمعين، إنه الخطاب الذي يجب أن يسود في كل مناسباتنا الدينية، ليخرج من تربّى فيها أكثر إنسانية واحتراماً لبقية الخلق، وعامة الناس.
هذا الخطاب تختلف مخرجاته عن الخطاب المتشنج الذي يخرج مستمعه وهو محقون ضد الآخرين، يتصيّد أخطاءهم، ويضخّم سلبياتهم، ثم يراهم أنجس أهل الأرض لا سمح الله، فينال منهم وينتقص من حقوقهم وكراماتهم.
- المصالح ربما تؤدي لانقسام الناس حولها، وتمحور كل شخص أو جهة حول مصلحتها وتخندقها دفاعاً ونصرة لها، والسياسة قد تحوّل الناس إلى كتل وتوجهات وتصورات لا ينسجم بعضها مع بعض، وقد ينفر بعضها من بعض، وهذا يحصل في عالمنا العربي والإسلامي كما يحصل في كل المجتمعات البشرية.
المناسبات الدينية هي التي تُلقى على عاتقها مهمة الجمع للمفترق، والتقريب بين المختلف، ووضع الحدود كي لا يجر الاختلاف إلى بغي أحد على آخر.
المناسبات الدينية هي التي ترسخ مفهوم «عيال الله» في قلب الإنسان ووجدانه، وتدفع مختلق القوى والمشاعر والأحاسيس فيه لتتحرك ضمن هذا السياق، لأنها تُديّن سياسته، وتضع حدوداً مقبولة لمصالحه.
- تجسير العلاقة بين الناس يجب أن يصبح رسالة المناسبات الدينية، وإعادة ربط المكونات والأطياف الاجتماعية مع بعضها هي مهمة مركزية من مهام الخطاب الديني في المناسبات الدينية والحيوية التي تمر على الأمة بما تحمله من خير ومنفعة لمن يحييها، ويتعرض لنفحاتها الطيبة، وهذا ما ينعكس خيره على الجميع.
كل شيء يتعرض للاهتزاز والخلل والخراب والعطب، والمناسبات الدينية هي ورشة الإصلاح الكبرى، لإعادة ما كان أفضل حالاً وأحسن وضعاً.
إن استحضار حقوق الأخوّة وحقوق الجيرة وحقوق الإنسانية وحقوق المواطنة وحقوق المسلم على أخيه المسلم وغيرها من المعاني الراقية والمبادئ الجميلة، يمكنها أن تساهم في وصل ما انقطع من العلاقات، وترميم ما تهالك منها، وجمع النفوس والقلوب على بعضها.
هذه المهام يجب أن تكون ماثلة أمام أعيننا، لتتحرك عقولنا ونفوسنا نحوها، ونحن مستمرون في دعائنا «اللهم أصلح ما فسد من أمور المسلمين».