”من اللي بغسّلك لما تموت؟!“
في ال12 من عمره دخل مع بعض الصبية مغتسلا ليشاهد مغسّلا كبير السن أثناء تغسيله أحد الأموات، نظر إليهم المغسّل بحنق وطردهم، الجميع هرب عداه.
”إذا طردتنا وما خليتنا نتعلم كيف نغسل، من اللي بغسلك لما تموت؟“ هكذا كان رد الصبي.
كبر الصبي وهو يزاول تغسيل الموتى متطوعا مع مجموعة تتزايد يوما بعد يوم من رجال ونساء في كل ما يتعلق بشؤون الموتى بما فيها التغسيل وحفر القبور.
قصص كثيرة تسمعها منهم فتدهش، فذلك عالم مختلف تظنه ساكنا سكون الموت إلا أنه يضج بالحكايات ومن ضمنها حكايتهم مع جائحة كورونا.
في تلك الجائحة بادر الجميع بشكر من وقفوا كصف أول في مواجهة الجائحة كموظفي الصحة والذين يستحقون ذلك التكريم، ولكننا نسينا أولئك الذين كانوا يستقبلون من فقدناهم ليقوموا بتكريمهم بالتغسيل والدفن في الوقت الذي كان أهل الفقيد يخشون الاقتراب من فقيدهم خوف العدوى، هؤلاء كانوا هم الأقرب لأعزائنا الراحلين وهم الذين لم يتخلوا عن مهمتهم رغم الخوف من كورونا خصوصا في بداياتها.
لذلك سعدت كثيرا عندما سعت لجنة أهلية تحت مسمى ”لجنة تكريم الكرام“ لتكريمهم مؤخرا حيث بلغ عدد المكرمين أكثر من 650 من الجنسين بحضور اجتماعي مميز.
في الحفل كنت أنظر إلى وجوه بعضهم وقد ارتسمت عليهم الابتسامة، فربما لأول مرة يرى نفسه مكرما، ولعله لم يخطر بباله أن يستلم يوما درعا كشكر على سنوات صرف فيها العديد من عمره في المقابر.
من ضمنهم رأيت ”مضري“ الذي أصبح يقدم دورات في التغسيل ويرجع إليه الكثير في مسائل التغسيل من داخل البلاد وخارجها.
”مضري“ ذاك هو الصبي الذي بقي في المغتسل ولم يهرب عندما نهره المغسل، وبعد سنوات هو من قام بتغسيله.