أشكال في الالتزام التنظيمي
تشتمل الأدبيات على العديد من التصنيفات المتعلقة بأشكال وأنواع الالتزام التنظيمي، حيث يرى بعض الباحثين أن هذا التنوع يعد ظاهرة إيجابية لحجم الحراك الفكري والاهتمام البحثي الذي يلقاه الالتزام التنظيمي منذ سبعينيات القرن الماضي، وظهور مداخل جديدة لتنظيره، واعتماد استراتيجيات متنوعة في دراسته وتحليله، بالقدر الذي يتيح نوعاً من الفهم العميق لهذا المفهوم المعقد «Thomas، 2016»، في حين يرى البعض الآخر أن كل هذا التنوع يخلق العديد من المشاكل تعوق الجهود المبذولة للخروج بإطار عام موحد للالتزام التنظيمي الذي سيتيح للمهتمين به الإجابة بكل ثقة على عدد من الأسئلة البسيطة ”ما هو الالتزام التنظيمي في المقام الأول؟“ «Coetzee، 2005». ولأن الغرض من هذا المبحث عرض إطار نظري شامل عن الالتزام التنظيمي من خلال المساهمة في تكوين فهم عام عنه، فإن الباحث سيتناول بإيجاز فيما يلي بعضاً من أنواع الالتزام التنظيمي والتي يكثر تناولها في كتابات السلوك التنظيمي والإداري. وبالنظر إلى أن الالتزام التنظيمي يتمثل في مستوى الشعور الإيجابي المتولد عند الموظف تجاه منظمته والالتزام بقيمتها وتفانيه في تحقيق أهدافها، والشعور الدائم بالارتباط معها، والفخر بالانتماء إليها، ويشمل الالتزام التنظيمي الأشكال أو الأنواع الآتية:
وهو مستوى إدراك الموظف بالخصائص المميزة لواجباته الوظيفية، والتوافق معها؛ نظرًا لكونها تتيح له بالمشاركة الفعالة في النشاط الإداري.
يقصد به درجة إدراك العاملين بالامتيازات والمزايا والمنافع التي يتلقونها مقابل استمرارهم وولائهم للمنظمة، مقارنة بفقدانهم لوظائفهم عند تركهم المنظمة «الحمياني، 1433».
ويقصد بالالتزام المستمر تكريس الفرد حياته والتضحية بمصالحة من أجل بقاء المنظمة لارتباطه بها، ويمكن فهم هذا المكون من خلال النظر في درجة الالتزام الموجودة عند الفرد، والتي تحكمها القيمة الاستثمارية التي من الممكن أن يحققها لو استمر مع المنظمة مقابل ما سيفقده لو اتخذ قرارا بالعمل لدى جهات أخرى «حمادات، 2006».
ويتأثر تقييم الفرد لأهمية البقاء مع المنظمة بمجموعة من العوامل، منها:
تقدم السن، وطول العمر الوظيفي، بافتراض أن الفرد قد استثمر جزءا كبيراً من حياته في المنظمة، وأن أي تفريط أو إهمال من قبله يعد خسارة له، وخاصة إذا كانت أوجه الاستثمار هذه غير قابلة للنقل أو التحويل إلى عمل آخر «البركات، 2014».
يعتمد الالتزام الاستمراري على التكاليف التي يعتقد الموظف أن ناتجة عن مغادرته للمنظمة. ويشير الالتزام المستمر إلى تمسك والتزام الفرد بالبقاء في مهنته أو في المنظمة التي يعمل فيها بالرغم من توفر بدائل للعمل المتاحة له؛ مما يتطلب تضحيات مادية وشخصية «السميح، 1431».
يقصد به مستوى الالتزام الأخلاقي الذي يدفع المسؤول الإداري إلى تبني قيم وأهداف المنظمة واعتبارها جزءًا من قيمه وأهدافه «Meyer، 2007». ويشير إلى إحساس الفرد بالالتزام والتعهد بمواصلة العمل والبقاء كعضو في المنظمة لتحقيق أهدافها التنظيمية، حيث بقاء العامل في المنظمة ناتج عن شعوره بأنه ينبغي عليه فعل ذلك «Abrahamson، 2002».
ويقصد به الالتزام الأخلاقي «المعياري»، الإحساس الذي يتولد لدى العامل بالالتزام والبقاء في المنظمة، وغالباً يتعزز هذا الشعور من خلال الدعم الجيد الذي يتلقاه الأفراد من المنظمة، مما يتيح لهم المشاركة والتفاعل بشكل إيجابي ليس فقط في تنفيذ الإجراءات وإنجاز العمل، بل في المساهمة في وضع الأهداف، والتخطيط، وصياغة ورسم السياسات العامة للتنظيم «حمادات، 2006».
يشير إلى الارتباط العاطفي للفرد بمنظمته وتطابقه معها والإحساس النفسي بالالتزام تجاه المنظمة التي يعمل بها، فاستمرار الفرد في العمل داخل المنظمة ناجم عن رغبته في ذلك «Meyer، 1999». ويشير إلى الدرجة التي يشعر بها الفرد بالاتصال والارتباط بالمنظمة وجدانيا وعاطفياً ونفسيًا مع الرغبة في الانتماء والاندماج والانتساب إليها والتوحد مع هويتها، ويتأثر هذا البعد بدرجة الوعي بالخصائص الفردية لعمله من حيث درجة الاستقلال وأهمية العمل وهوية العمل وتنوع المهارات. يتأثر هذا الجانب من الالتزام بالدرجة التي تتيح للفرد الإحساس بأن بيئة المنظمة تتيح له بالمشاركة الفعالة في عملية صنع القرار سواء فيما يخص العمل أم الفرد نفسه «الحجري، 2002».
وفقًا لـ «Kidron، 1978» فإنه يمكن تصنيف الالتزام التنظيمي إلى نوعين، هما:
1 - الالتزام الأدبي أو الاخلاقي Moral Commitment: يعني تبني الفرد قيم وأهداف المنظمة ويعتبرها جزءا لا يتجزأ من قيمته وأهدافه.
2 - الالتزام المحسوب Calculation Commitment: يعني الرغبة التي يبديها الفرد في البقاء في المنظمة على الرغم من وجود بديل لمنظمة أخرى وفوائد ومزايا أفضل.
ويميز «Kanter، 1986» بين ثلاثة أنواع مختلفة من الالتزام التنظيمي تتمثل في الآتي:
- الالتزام المستمر Continuous Commitment: يعني أن الفرد يكرس حياته ويضحي بمصالحه من أجل البقاء مع المجموعة دون النظر إلى المكاسب التي تحققت عند المغادرة.
- الالتزام التلاحمي Integral Commitment: ويعنى ارتباط الفرد بعلاقات اجتماعية متماسكة ومتضامنة مع الجماعة ويتحقق ذلك عند تركه السلوك المؤدي للتناحر والتباغض، مركزاً على السلوك الإيجابي.
- الالتزام الموجه Directed Commitment: يعني ارتباط الفرد بقيم ومبادئ المجموعة وفقًا لسلطته والمعايير التي تحددها.
يشير «Angle & Berry، 1981» إلى نوعين متميزين من الالتزام التنظيمي هما:
- الالتزام القيمي Value Commitment: يعني الانتماء للمنظمة والرغبة في البقاء فيها من خلال دعم أهدافها والمساهمة في تحقيقها.
- الالتزام البقائي/ الاستمراري: يقصد به تزامن السلوكيات التي تضمن بقاء الفرد في عضوية المنظمة، بمعنى آخر الالتزام من أجل البقاء.
ويرى «Penley & Glouldp، 1988» يمكن أن يأخذ الالتزام التنظيمي أحد أشكال ثلاثة هي:
- الالتزام الأخلاقي Moral Commitment: ويتمثل في قبول وتشابه وتماثل الأهداف الفردية للعاملين مع أهداف المنظمة.
- الالتزام المحسوب Calculative Commitment: هو الالتزام الناتج عن حقيقة أن المغريات أو الحوافز التي تقدمها المنظمة أكبر من إسهامات الفرد لتحقيق أهداف.
- الالتزام بالعزلة أو الاغترابي Alienative Commitment: ويتمثل في إدراك الفرد عدم فاعلية الحوافز التي تقدمها المنظمة مقابل إسهاماته ومجهوداته المبذولة لكنه ملتزم بالبقاء في عضويتها لأسباب وضغوطات خارجية.
ووضع «O`reilly & Chatman، 1986» نموذجهما النظري في الالتزام على أساس أن الالتزام التنظيمي يعبر عن اتجاه ما يمكنه الفرد نحو منظمته، وبالتالي فإنه لابد من أن يكون وراء هذا الاتجاه ميكانيزمات تحركه وتدفعه، وبناء على هذا الافتراض اقترح الباحثان إطاراً نظرياً يتضمن الأنواع التالية:
- الإذعان Compliance: وينشأ هذا النوع من الالتزام عندما يكيف الفرد اتجاهاته وسلوكياته من أجل الحصول على حوافز ومكافآت خاصة.
- التماثل Identification: ويظهر عندما يقبل الفرد أهداف وقيم المنظمة ويكون على استعداد لتكون تجاهها علاقة إيجابية.
- التبني Internalization: وينشأ هذا الالتزام عندما يبدأ الفرد في دمج أهدافه وقيمه الذاتية في أهداف وقيم المنظمة عندما يسعي إلى بذل اقصي جهد ممكن في سبيل تحقيقها والحفاظ عليها.
تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من اختلاف مسميات أنواع الالتزام التنظيمي وصوره وأبعاده بسبب الاختلاف في أساليب فهمه وتفسيره، إلا أنه يمكن الاستنتاج عمومًا أن الفرد ملتزم بالبقاء عضوًا في منظمته لثلاثة أسباب: إما من أجل الحالة النفسية القوية والمشاعر الوجدانية الفياضة والمودة العاطفية التي يحملها تجاه منظمته، أو من أجل التزامه الأخلاقي بالبقاء في عضويتها نتيجة التطبيع الديني أو الاجتماعي المسبق أو التاريخ الطويل الذي قضاه الفرد في المنظمة أو من أجل العلاقة التبادلية المتصورة بين الفرد ومنظمته والتي تدوم بدوام الرضا عن هذا التبادل.