الاتجار بالعقول
عقولنا قيمنا بها تقييمنا، وكما هو حال أعمارنا ما ذهب منها لن يعود بل تخصم من رصيد حياتنا، مختلفة المُدد من يموت فتى من يعمّر دهراً. كذلك العقول ما فات منها مات وخسرناه. ولها مستويات المبدع الصالح لنفسه ومجتمعه، والمفتقر لوعي ما حوله، ومَن ضرره أكثر من نفعه، ومنا التارك لعقله المعطل لفكره المتبع فيه لهوى غيره.
وكما يجب حفظ الأبدان من أن تصلها الأسقام لتنعم بصحة وإن طالت بنا الأعمار، أيضاً يجب علينا حماية العقول لنستفيد منها ونعمل ما أمكننا وقدرنا.
لا نقدمها هدية لمن هو في حاجة لهداية، أو نتركها للمتربصين يضعون فيها ويخرجون منها ما يشاءون، أو سلعة يتاجر بها من لايستحقها، هؤلاء محور مانتكلم عنه في هذا المقال وهم ثلاثة اصناف فكراً واستغلالاً واستعباداً:
أولا: - الواحد منا يمثل جزءاً من مجتمعه لايكتمل الا ببقية اجزائه، من هنا نحتاج لبعضنا في اشراك الفكر وتبادل الرأي واخذ المعلومات، ولكن أي افكار واي معلومات واي آراء نتبع؟ هناك المنحرفة والسامة والمضللة، لهذا قبل الاقدام على هذه وتلك يجب ان نتعرف على مصادرها ومواقفها الصحيحة من الدين والمبدأ والمجتمع والانصاف، وانها لاتميل عن حق إلى باطل ولا تسير مع الريح حيث سارت أو تبحث عن مصالح على حساب العقيدة وتبيع آخرتها بدنيا غيرها، كما لوكنتَ تريد شراباً هل هو صافٍ ام نتنٍ، مباح لك اخذه ام محرم عليك، حتى لا تتضرر من تناوله أو تُؤثم وتحاسب عليه، فان رايتَه صالحاً مباحاً به والا فالعافية في تركه. كذلك هنا نختار الافكار صافية الذهن النافعة المتبعة للحق وهو مايجب الاخذ منها، أما إذا انكشف لنا ضررها فالاولى تجنبها.
ثانياً: بين جنباتنا مجموعات راقية في تفكيرها، واسعة الاطلاع تملك مختلف الثقافات التي يفتقرها الاخرون ويعجزون عن وصولها، لكنهم احتكاريون يبخلون بكل ماعندهم لايريدون منفعة المجتمع حسداً فيهم، أو لما يرون من قلة شأن مَن حولهم حسب نظرتهم المتعالية، دأبهم نقد واستنقاص الغير. ان سُئلوا بخلوا وهم يعلمون وان سمعوا عابوا، مخطئون حتى لا ينافسهم أحد ويصل لمستواهم كما يزعمون، لا ينتفعون بما لديهم فضلاً ان يستفيد به غيرهم.
ثالثاً: المستعبدون المتجبرون الذين إن أعطوك وصدقوك عليك أن تكون لهم الجَمل الذي يمتطون، والناقة الحلوب ليشربوا، احذر أن تنحرف عن خطهم أو تمتنع عن إعطائهم أو تخالف أمرهم وتتجه لصحبة غيرهم، بمعنى أنت وماعندك في حالة ملك يمين متى اردت التحرر والعتق سلطوا عليك مِن جنودهم مَن ينغص عيشك، ويسيء لسمعتك.
لذا علينا مسبقاً الدقة في حسن الاختيار ومشاورة أصحاب الرأي المؤتمنين، المعروف عنهم الاخلاص في النصح والحياد في المواقف والخوف من الله تعالى، الصافية قلوبهم من الأحقاد، وهم كثيرون متواجدون ولكن نحتاج إلى البحث عنهم وتمحيصهم ومعرفة ماقدموه قبل التعامل معهم.