النشأة التاريخية لمفهوم الالتزام التنظيمي
ينشأ الالتزام التنظيمي من تقاطع المتطلبات التنظيمية والخبرات الشخصية، حيث أكد العديد من علماء الاجتماع على أن تكرار تفاعل الأفراد مع بعضهم البعض يقوي مشاعرهم، ويساهم في تحقيق أهداف الجماعة، حيث يميل أفراد الجماعة في الاتجاه الإيجابي من خلال ظهور وتبادل الود والتماسك والانغماس في العمل، أو قد يميل أفراد الجماعة في الاتجاه السلبي، فيظهر من خلال الجفاء، والتباعد، والفرقة، والتناحر، والسطحية في الأداء «تيم، 1999».
ينشأ الالتزام التنظيمي نتيجة الارتباط القوي والفعال لدى الفرد بأهداف المنظمة وقيمها، بغض النظر عن القيم المادية التي يحققها منها؛ «العتيبي، 1997»
ومن ثم فالالتزام التنظيمي عند الفرد يقوم على ثلاثة مرتكزات رئيسة كالتالي:
* الإحساس بالانتماء الذي يظهر من خلال افتخار الفرد بانتمائه لهذه المنظمة وقناعته الشخصية بأهدافها وقيمها.
* صدق الفرد وإخلاصه في العمل الذي يعبر عنه بالرغبة القوية للفرد في الاستمرار والعمل في المنظمة في جميع الظروف والأحوال، ومضاعفة ما يبذله من جهد سعيًا وراء تحقيق أهدافه وأهداف منظمته.
* قيام الفرد بالمشاركة في أنشطة المنظمة نتيجة اقتناع ورضا بأهداف المنظمة.
فالالتزام التنظيمي لدى الأفراد يتطور من خلال ثلاث مراحل متتالية، يمكن تلخيصها على النحو الآتي «Buchanan، 1974»:
1. مرحلة ما قبل الدخول للعمل: وتمثل هذه المرحلة خبرات العمل السابقة للوظيفة، حيث يدخل الأفراد إلى المنظمات بمستويات مختلفة من الميل والاستعداد للالتزام والناتج عن خصائص الفرد الشخصية وتوقعاته عن العمل والظروف المرافقة لقراره بالعمل في المنظمة وتشمل أيضا مرحلة «فترة التجربة»، التي يخضع فيها الفرد للإعداد والتدريب والاختبار، ويكون توجهه الرئيس في هذه المدة هو الحصول على القبول والأمن من المنظمة، ومحاولة التعايش والتأقلم مع البيئة الجديدة، ويظهر الفرد في هذه المرحلة مجموعة من الخبرات مثل: وضوح الدور، وظهور الجماعات التلاحمية، ونمو اتجاهات نحو المنظمة وفهم وإدراك التوقعات وتحديات العمل وتعارض الالتزام والشعور بالصدمة.
2. مرحلة العمل والإنجاز: خلال هذه المرحلة يسعى الفرد إلى تأكيد مفهوم الإنجاز لديه. ومن مميزات هذه المرحلة بروز الأهمية الشخصية، والخوف من العجز، وظهور قيم الالتزام للتنظيم والعمل.
3. مرحلة الترسيخ: وهي مرحلة الثقة بالمنظمة: مرحلة تجربة العمل بعد الاستقرار، حيث تدعم المنظمة الالتزام الوظيفي للأفراد من خلال الاستثمارات والانغماس الاجتماعي. وتبدأ هذه المرحلة في السنة الخامسة من التحاق الفرد بالعمل في المنظمة، وتمتد إلى ما بعد ذلك، حيث يعزز الفرد اتجاهات الالتزام التي تشكلت في المراحل السابقة تجاه المنظمة، ومرحلة التكوين حتى النضج «إبراهيم، 1996».
وهكذا، تطورت مراحل الالتزام التنظيمي عند الأفراد من خلال ثلاث مراحل متتالية: مرحلة التجربة والإعداد، ومرحلة العمل والإنجاز، ومرحلة الثقة في المنظمة والانتماء إليها. وأعتقد أنه لا يوجد إجماع على هذه المراحل من قبل العلماء والباحثين، ولكن هناك إجماع على أن الفرد من أجل أن يصل إلى درجة من الالتزام يجب أن يمر بمراحل مختلفة، حتى يصل في نهايتها إلى أنها تمثل أهداف وقيم المنظمة ويثق بها ويرتبط بها فيؤثر مصالحها على مصالحه.