آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

جدتي سكنة الإنسانة الصبورة

مفيدة أحمد اللويف *

”أمي الكبيرة“ هذا ما تعودنا ان نناديها به فقد كانت لنا نعم الأم، وكانت جدتي قوية وصبورة ولم أسمعها يوماً تشتكِ من أحد أو تتكلم عن أحد، لقد كانت جدتي هادئة جداً وكنت أعتبرها مثالية وهي التي علمتني الصلاة في صغري، وعندما دخلت الجامعة لدراسة الصيدلة كانت فخورة بي جدا وقد أصبحت دوما تعطيني أدويتها لأتفقدهم، ومن أهم أدويتها كان الوارفارين «warfarin» الذي كان يؤذيها أحيانا عند زيادة الجرعة أو عند تفاعله مع بعض أنواع الأكل، الوارفارين دواء السيولة ويستخدم ضد التجلط في الدم وبعض الأحيان كنا نلاحظ في جدتي تغير بشرتها للون آخر مثل الكدمات الملونة، وهذا دليل على زيادة جرعة الوارفارين وبسبب ضعف نظر جدتي لاحظنا أنها أحيانا كانت تأخذ حبتين بالخطأ، أيضا عند أكل مواد السلطة الخضراء فمفعول الوارفارين يزيد وبالتالي يزيد السيولة في الدم وتزيد الخطورة، تنومت جدتي أكثر من مرة لمراقبة INR وهو مقياس مدى السيولة للدم «International Normalized Ratio» وذلك لإعادة تحديد جرعة الوارفارين وتقليل خطورة النزيف.

كانت جدتي تذهب يوميا إلى العزية «مأتم الإمام الحسين » وكنت مع إخوتي ننتظرها بحماس حين عودتها والمحظوظ هو من يفوز بالبركة «التي توزع في المأتم للحاضرين» من عندها، كنت دائما أراقبها من النافذة عند خروجها للعزية حيث كانت تمشي ببطيء وبالكاد كانت تحرك قدميها الثقيلتين ولكنها لم تترك العزية إلا بعد أن عجزت عن الحركة في نهاية حياتها، كانت جدتي صبورة جداً ولم تكن تظهر أمامنا بأنها كانت عاجزة أو أنها متألمة من وضعها بل كانت دائما تبتسم لي ولأطفالي فهي تبتهج لزيارة أي أحد منا، كنت أحب أن أمشط شعرها بالرغم أنها لا تطلب منا ذلك إلا أنها كانت تلمس منا هذا الاهتمام البسيط وتغمرها السعادة وكأنها ملكت الكون، أعتذر بشدة على تقصيري يا جدتي فقد كنت أرغب ببقائك وبأن أخدمكِ بكل حب لكنكِ رحلتي عنا سريعاً جداً وقد وفدتِ على ربٍ كريم.

آخر اللقاء كان بالمستشفى وقد كنت جدا حزينة لأن جدتي كانت لا تسمع كلامي ولكنني عندما أمسكت بيدها فقد ضغطت على يدي بقوة وكأنها كانت تودعني، رحمكِ الله يا جدتي الغالية فأنا افتقدكِ كثيراً وقد مرت 13 سنة تقريبا على رحيلكِ ولكنني ما زلتُ يومياً أتحسر على رؤيتكِ، لقد اعتدتُ أن أراكِ معنا دائماً يا جدتي فقد كنتي الجزء الأفضل من عائلتنا وابتسامتكِ كانت تبعث فيني الدفء وكنتِ لي منبعاً للحنان، جدتي لم تقطع التواصل معي أبداً فهي تزورني في أحلامي دائماً، في نهاية قصة جدتي أرجو منكم إهداء سورة الفاتحة لروح جدتي الغالية سكنة علي عاشور وجميع اموات المؤمنين والمؤمنات.