الموت الأسود
للبشرية تاريخ مرير ومؤلم مع الأوبئة، فقد مرت طوال مسيرتها بالعديد من الأمراض التي فتكت بالبشر، وغيّرت التركيبة السكانية تغييرا جذريا ليس لمدن فقط أو لدول، إنما لقارات بكاملها.
إن الجائحة المؤلمة التي تعيشها البشرية اليوم المتمثلة في كوفيد 19 ماهي إلا امتداد لمشوار مأساوي طويل عانت الإنسانية من ويلاته، وتجرعت كأس الألم في سبيل الخلاص منه.
الموت الأسود هو الإسم الذي تم اطلاقه على طاعون لندن العظيم الذي لقي فيه ما يقارب نصف مليون نسمة حتفهم جراء الوباء المُنتشر في لندن وضواحيها.
كان الخطر الأكبر ليس الوباء بحد ذاته، إنما انتشاره السريع من ظهوره في بداية القرون الوسطى، حيث قدرّت إحصائيات أنه حصد أرواح أكثر من نصف سكان قارتي آسيا وأوروبا خلال أربع سنوات من تفشيه بين السكان.
لقد ازدادت شراسة الإنتشار في المناطق التي كان بها فائض سكاني كبير كفرنسا وانجلترا وروسيا والهند والصين، إذ تسبَّب الوباء الثالث بمقتل 12 مليون إنسانٍ في الهند والصين وحدهما، والحياة بعد السيطرة على الطاعون تختلف عما قبلها.
بعد انقضاء تلك الأزمات كانت النتائج مثيرة جداً وغير متوقعة، إذ ساهمت الأوبئة في تلك الفترة بالقضاء على النظام الإقطاعي في أوروبا، عبر إحداث نقلة شاملة تمثلت في الانتقال من عصور التخلف والظلام إلى بداية عصور التنوير بانتشار التعليم، وتطور الوسائل الثقافية والعلمية والطبية وبناء الدول المتقدمة.
التطور الذي نعيشه اليوم على مختلف الصعد، وبالذات في المواصلات والتنقل السريع كان أحد الأسباب الرئيسة في انتشار فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم تقريباً للمرة الأولى في التاريخ الإنساني، وللمفارقة فإن بدائية المواصلات سابقاً ساهمت إسهاماً مباشراً في عدم تفشي الأوبئة فيما مضى في بلداننا العربية بعكس مايحصل حالياً.
بالرغم من الخسائر الفادحة التي تعرضنا لها نحن اليوم لم نعاني كما عانى السابقون من ويلات الأوبئة، وثمة أمل كبير بتجاوز الجائحة بالكامل، فلنتفاءل غداً سيكون يوماً أجمل.