آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 11:33 م

خلك في الدور

برير السادة

لأن فصولنا الجميلة وأجواءنا الرائعة لا تأتي إلا مع فصل الشتاء غالبا، فتحت ”دريشة“ الغرفة ليتسلل منها ”البراد“ القادم من أعماق البحار وأعالي الجبال. أريد أن أنام في أحضان الأرض وأن تلفني يداها كما تفعل بالأشجار، وأن تصيبني قشعريرة البرد الذي تنفخه في زوايا المعمورة.

أريد أن أكوّم جسدي وألف بطانيتي من أسفل قدمي إلى أعلى كتفي، وأن تمتلئ ”الحجرة“ بالهدوء والسكينة كما تمتلئ بالظلام، فهما توأما النوم والتأمل ومراجعة الذات.

أريد غيوما تغطي عيون الشمس والقمر فلا ترى تقلبي وأحلامي، و”طش“ المطر يبل الطريق والأحجار والقلوب، ويسقى الجدب ويغسل الجفاء، فتلين وتتلاقى الأيدي والعيون.

يأتي ”البراد“ وتأتي معه كل أصوات الأرض والدواب من سيارات وطائرات ودراجات نارية، وخصوصا ”الكرمبع“ تزيد في طربها ونشيجها، وتهيج تصفيقا وعربدة، فيتدفق صوتها رغم بعد المسافات، وباسقات النخل حولي لا يمنعها عني وعن أحلامي التي تحولت رماد.

يأتي ”البراد“ ويخرج النوم والهدوء، وأعيد ترتيب جسدي إلى هيئة ”القعود“ وأصيح في الهواء من أخرج هذه الدواب الضخمة والكبيرة في منتصف الليل، ومن أطلق هذ الصخب الذي يفت الليل ويمزق الظلام.

أعيدوا لهذا الليل سكينته، واجمعوا ظلامه، لا تقلدوا البوم، ولا تنقوا كالضفادع ليل نهار، ناموا كما تفعل كل المخلوقات كي تنام الدواب الصاخبة، وتقلبوا على الأراك، وارتاحوا وأريحوا ملائكة اليمين والشمال.

أطفئوا الليل الصاخب والتلفاز والمذياع والإنترنت والحسد، وصبوا المضادات على حموضة القلق والاكتئاب. ناموا وصكوا عيونكم عن الأذى. فالاحترام جوهرة لبها الإحساس بمشاعر الآخرين ومراعاة أحوالهم من دون ان يكتبوا ”الرجاء عدم الإزعاج“ أو يقولوا ”خلك في الدور ولا تاخد دور غيرك“ ولا أن يجبروا على استخدام ”هرن السيارة“ لأنك أغلقت طريق المتجهين إلى اليمين، وأن يحدث بعضهم بعضا عن قفزاتك المشينة على صف الواقفين لتبارك للعريس في عجلة وتمضي، ولا تبرر لنفسك بكثرة الهموم والأشغال فعند الناس مثلها ولديهم مزيد.