خطر الإيهام
بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ صدق الله العلي العظيم - «66» طه.
الإيهام «gaslighting» أداة نفسية خطيرة يستخدمها النرجسيون والمستبدون والمستفيدون من الخوف الذي يملأ قلوب الناس لزيادتهم رهقا بزعزعة ثقتهم في أنسفهم. في هذه الحالة، الناس تحت وطأة الإيهام لا يصدقون ما يرون أو ما يلمسون لأنهم تحت رحمة ذلك الذي يفسر لهم كل ما يرونه أو يحسون به.
مثلا، أساليب التأليب ضد القبائل أو المذاهب الأخرى، يقوم البعض بتشويه صورة من لا يحبون. فعندما يسافر أحدهم إلى مكان تكثر فيه أبناء مذهب آخر «قبيلة أخرى» ويلمس هذا الشخص من هؤلاء الناس حسن معاملة وأخلاق وفيرة، يأتي له المستفيد ويشي له بأن لا يأمنهم لأنهم يعطون من طرف اللسان حلاوة، ولكنهم يروغون كما يروغ الثعلب. حتى سأل أحدهم: ”لماذا تتفلون في الماء قبل أن تعطونه إيانا؟“. هذا الشخص لم يصدق العشرة الطويلة التي عاشها مع هؤلاء الجماعة وصدق واشيا وكأنه لم يسمع القول: ”ومهما تكن عند امرئ من خليقة، وإن خالها تخفى على الناس تعلم“. يعني هذا الشخص عاش مع هؤلاء الجماعة ما يزيد عن عشرين سنة، ولم يرَ منهم إلا كل خير، وفي النهاية ظل يصدق أن كل ما يفعلونه مجرد نفاق وأنهم لا يزالون يتفلون في الماء قبل أن يعطوه إياه.
هذه ليست قصة من وحي الخيال. هذا واقع، لأن الموهوم يعيش مسلوبا لإرادته ويكذب نفسه ويصدق من أوهمه بأنه لا يفهم أي شيء. طبعا، يتمكن المستفيدون من هؤلاء من خلال غسيل الدماغ المستمر منذ الصغر. فما أن يكبر الفرد حتى تمكن منه الوهم.
ومن القصص المماثلة الظريفة، قال أحد المصدقين بأن عمر الأرض مجرد ستة آلاف وأن الدينصورات مجرد وهم اختلقه الغرب ليلعب بعقول أهل الشرف، بأن الشياطين والجن وضعت عظام الديناصورات في طبقات هناك كي يوهموا الناس بالباطل. والموهومون يصدقون ويجادلون تجاه هذا التصديق، كما نرى اليوم أصحاب نظرية الأرض المسطحة يجادلون عن وهم بجهل مدقع وبحماس منقطع النظير.
عزيزي القارئ، لا يذهب بالك بعيدا. ربما حتى أنت تحت تأثير وهم، ولكنك لا تشعر. وتكون أيضا من الذين يدافعون عنه بضراوة. فحينما تصدق بأن صاحب قبر، مات من مرض ولم يستطع هو علاج نفسه حيا، قادر على أن يعالجك من مرضك المستعصي وهو ميت، فأنت في الواقع تعيش تحت وهم زرعه فيك مستفيدون منذ نعومة أظافرك، لدرجة أنهم يقنعونك بأن الهزيمة فوز والعكس صحيح. فمن يصدق أن حربا حدثت بين جماعتين لا يقارنان في القوة بحيث تدك القوية منهم أرض الجماعة الأخرى دكا وتدمر كل البنى التحتية، ولكن يصدق الناس بأن جماعتهم فازوا لأن الطرف الآخر لم يستطع هزيمتهم. طبعا، الطرف الآخر أذكى مما يتصورون إذ أوهمهم بأنهم فازوا. ولكن الفريق القوي حارب الفريق الواهم بطرق حديثة ومختلفة حتى ماتت قيمة العملة ولم يستطع الفرد منهم أن يشبع بطنه برغيف خبز. ولا يزال أيضا البعض واهمين بحيث يظنون بأن هذا الجوع وضرب الجموع عبارة عن اختبار وتمحيص وعليهم أن يصبروا وكأنهم لم يمروا بالآية المباركة: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾ «124 - طه».