لماذا تطلقَت المُطرِبة؟
هل هذه هي النهاية؟! بعد أن كانت وسائل الإعلام العربية في زمنٍ مضى مشاعل تثقيف وتوعِية وارتقاء بذائقة الإنسان تحولت إلى ”مجالس للنميمة“ والثرثرة الرخيصة في تفاصيل الحياة الشخصية والعائلية والعاطفية للممثلين والمُطربين رغم أن تلك التفاصيل لا تُضيف معلومة مفيدة لعقل هذا الجمهور أو ترتقي بمشاعره!
مع خالص التقدير لفكرة أن ”للشخصيات العامَّة جمهورها الذي يُحب سماع أخبارها“؛ لكنني فردٌ من هذا الجمهور، ولستُ مهتمة بزواج فلانة أو طلاقها، ولا بطبقها المُفضل، ولا لونها المُفضل، ولا الجنب الذي تُفضل النوم عليه، وكثيرون مثلي لا يهمهم إلا الاستمتاع بأدائها الفني المُتميز، وأخبار أعمالها الفنية، وبعض آرائها المُثيرة للاهتمام إن كانت من عُشاق الثقافة، والسبيلُ الذي سلكتهُ لتنتصر على عثرات طريقها وتحقق ما حققته من نجاح، أما رقم حذاء زوجها، وحجم كوب قهوتها، والأحلام التي تراها في منامها، وأساب طلاقها، فهي شؤون تخصها وحدها ولا تؤثر على حياتنا من قريبٍ أو بعيد لتُنشر عنها الأخبار تلو الأخبار، ويُثرثر عنها القاصي والداني وكأنهم عثروا على كلمة السر السحرية التي تُحول التراب إلى ذهب!
نتفهَّم - بطبيعة الحال - أهميَّة استهداف الجماهير المُغفَّلة بالأخبار التافهة لصرف انتباه أذهانهم نحو اتجاهاتٍ أُخرى، لكن مهما كان الجمهور مُغفلاً فإن ثمة طبيعة تُسمى ”الملل“ لا يُمكن الاستهانة بتأثيرها، وتكرار الأخبار السخيفة يُفقدها قيمتها المتوقعة عند المُتلقي.
من جانبٍ آخر؛ لا بد من تذكُّر أن الشخصية العامة هي الأخرى ”كائن بشري“ يشعر ويتألم ويبكي ويحتاج، وأن حياته مُرتبطة ببشرٍ آخرين مُقربين يعيشون في دائرته العائلية، وهؤلاء لهم حُرمة يجب عدم انتهاكها لمُجرد أن أحد أفراد عائلتهم مشهور، كل كلمة سلبية قد يتم إطلاقها في الهواء ليسمعها مئات آلاف البشر عن هذا الشخص قد تكون بمثابة رصاصة تُدمر مُستقبله أو مستقبل أحد أفراد أُسرته المُقربين، التنمر والسخرية والحملات الشعواء ليست مُجرد آراء؛ بل أسلحة مُضاعفة الفتك لأنها تقوّي الأعداء على هذا الفرد في وقت ضَعفه، وقد تقوده إلى فقدان عقله أو الانتحار في لحظة يأس من النجاة بعد الفضيحة.
نحنُ في زمنٍ تحولت فيه البديهيَّات إلى قيَم وأخلاقيَّات منسيَّة يجب التذكير بها وتعلمها من جديد بعد أن كانت من أساسيات أبجديَّات التعامل اليومي بين الناس، صحافة ”السوشيال ميديا“ تُخاطب الوحوش الغافية في أعماق البشر لإيقاظ غرائزها الفتاكة بدل تهذيبها وتقليم مخالبها، وما من أملٍ لوقف هذا الهبوط المُستمر إلا باستيقاظ وعي الجماهير أنفسهم، وانتباههم إلى أن عقولهم ومشاعرهم تستحق أن تُخاطب بمضامين أكثر نُضجًا ورُقيًا.