قراءة سوسيولوجية لرواية «السوسنة التي أجهضت الآمال» لسلمان العيد
تروي قصة المخطوفين الثلاثة..
صدرت مؤخرا رواية «السوسنة التي أجهضت الآمال» للكاتب سلمان العيد عن دار ريادة للتوزيع والنشر من القطع الوسط في 182 صفحة.
لو كان لي الخيار لعنونتها بعنوان «المخطوفون الثلاثة» أو «الخاطفة..» لان ذلك أوضح مافي الرواية.. وعندما أقول ذلك إنما اعبر عن وجهة نظري الخاصة بعدما فرغت من قراءة الرواية.
ذلك أن الحدث الذي جرت أحداثه وشغل الرأي العام في المنطقة الشرقية بشكل خاص، والمملكة بشكل عام، وخلاصته هو العثور على ثلاثة أطفال مخطوفين منذ عشرين سنة مضت.
وهو أمر اقرب إلى الخيال منه إلى الواقع، أن تستمر خاطفة باحتجاز ثلاثة أطفال لمدة عشرين عاما كاملا.
• الحاجة إلى وخزة أو صدمة:
ويحتاج مجتمعنا الصدمة توقظه إلى هذا الواقع المر والمأساوي بما للكلمة من معنى. ونحتاج أيضا إلى دراسة الحدث، ومحاسبة المقصرين بما فيهم وزارة الصحة على درجة الإهمال الحاصلة، وسد الثغرات التي استطاعت هذه المرأة من استغلالها، واختطاف 3 أطفال، والحفاظ على هذا السر طيلة عشرين عاما.
الخاطفة ليست المسؤولة الوحيدة عن هذه المأساة، المؤسسات التي كانت تحتضن الأطفال التي جرى الخطف فيها
.. ومن حق هؤلاء الأطفال الذين أصبحوا شبابا وأهاليهم المطالبة بالتعويض، ولاشيء يمكن أن يعوضهم عن عمرهم الذي مضى، وسنواتهم التي تصرمت، لكن شيء أفضل من اللاشيء.
أنا هنا أعلن عن فرحي واغتباطي بهذا العمل الروائي الجميل للكاتب سلمان العيد، لا يقل من الناحية «السوسيولوجية» الاجتماعية.. لأنه يلامس أحد الجروح الاجتماعية التي تحتاج إلى معالجة، ولانتوقع أن ذلك العمل كافيا لعلاج الموضوع، إنما هو بمثابة حجر على طاولة الشطرنج.
إن أحداثا تجري في بلادنا ومناطقنا تستحق أن تتناول في أعمال أدبية، بدل السفر بعيدا إلى أحداث تجري فيما وراء البحار... حياتنا آلامنا.. آمالنا... تستحق الكتابة عنها، واذا لم نكتب عنها نحن فمن ذا الذي سيكتب عنها، وهل الذي سيكتب عنها سيحمل نفس الهموم والآمال والمعرفة أكثر منا عن أحوالنا ومجتمعاتنا.
نعود إلى الحدث موضوع الرواية... هل يقدر المستريحون على الأرائك معنى أن تفقد أم أو أب وليدهما لمدة عشرين عاما ثم يجدونه محتجزا على غير ارادتهم لدى منزل آخر.. خليط من الأسى والقهر ينتاب الاسرة وابنها.
تأتي هذه الرواية كأسرع مبادرة في تغطية واحد من أهم الأحداث التي جرت أحداثها في بلادنا.
• من أجل تحقيق الهدف:
الهدف وقد فضحناه من العنوان، وفي الأسطر الأولى لهذه القراءة وهو «تسليط الضوء على جريمة خطف أطفال ثلاثة» من قبل امرأة، وإخفائه لمدة عشرين عاماً.
وفي الطريق لتحقيق هذا الهدف، استخدم الكاتب العيد شخصية أحمد كشاهد للمأساة جميعها، والذي بدى متألما حزينا في بداية «نهاية الحدث» بالرغم من الفرح الغامر الذي شمل الناس جميعا في منطقة القطيف وغيرها.
والقطيف شهدت جزء من هذا الحدث، كما شهدت الدمام الجزء الأكبر منه، حيث عاش معظم أبطال الحادثة فالخاطفة والمخطوفون الثلاثة كانوا طيلة العشرين عاما في مدينة الدمام متنقلين من شقة إلى أخرى.
جازان ونجران هما الأخيرتين كانتا على موعد مع الحدث.
إذا الرواية تبتدأ من حيث نهاية الحدث، وهي اللحظات السعيدة التي عشناها جميعا فرحين بخروج أحد شباب القطيف إلى اسرته، بعد غياب مايقارب العشرين عاما، كل ذلك على لسان بطل الرواية أحمد، ومن ثم يرجع إلى الخلف أو مايسمى «باك راوند».
«وكان هذا الولد الشاب الرقم الأصعب في الاحتفالية الكبيرة ثالث ثلاثة، كانوا في يوم ما ضمن ظروف واحدة وفي ظل قيد أزمة واحدة وهو «الاختفاء القسري» الذي طال لأكثر من عقدين من الزمن عرضة لجملة من التحليلات والتأويلات زادت بصورة جنونية» ص 8 - 9.
• التقدم الروائي للكاتب:
بلاشك أن الروائي سلمان العيد طور تجربته الروائية، بعد تجربته لكتابة وطباعة مجموعة من الروايات منها «مواقف تعانق الزمن، لؤلؤة الرماد، مفلسون في عصر الذهب، خيوط الأمل المفقود، حوار في عرض البحر».
فهو في هذه الرواية يسرد الحدث مبتعدا عن شخصيته، وربما أضاف أو حذف ما يخدم حبكته وسرده الروائي.
يمرر الروائي بعضا من الصور الاجتماعية الفلكلورية في مجتمع المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، بما لايضر بالسرد الروائي للأحداث، ويصل في قمة التأمل في داخل بيت الأم الخاطفة، واصفا آلآمهم وأحلامهم، وولائهم المطلق لمهم الذين لايعرفون غيرها، والذين يصدقون روايتها، وينفذون تعليماتها.
هل كانت الخاطفة في وعيها؟؟.. أم أنها كانت ثملة بالحب الذي يغطي عاطفتها، ويرضي شعورها بالأمومة المفقودة.
هل من المعقول أنها لاتشعر بمشاعر الأم الحقيقية التي صبرت، وتعذبت لمدة عشرين عام؟؟
هل هذه الخاطفة سادية إلى هذا الحد تحب استمرار عذابات الناس؟؟
من جهة أخرى هل كانت هي المخططة والمنقذة، أم انها جزء من شبكة؟؟، وما كانت تلعب الا دور التنفيذ.
بعض الأسئلة لا أحد يستطيع الإجابة عليها رغم وجاهتها.
ما يهمنا في رواية الكاتب سلمان العيد هو أن هذه الرواية تأخذ قصب السبق في تغطية حدث اجتماعي من الدرجة الأولى كهذا الحدث.
وعلى الرغم من مأساوية هذا الحدث الا أنه يعتبر من الأحداث شديدة الوضوح، قليلة التشابك.. الأمر الذي ساعد الروائي للسير في أحداثها بشكل متناسب.