متى تستقر عقولنا؟
نِعم الله على عباده لاتُحصى من أعظمها وأفضلها وأشرفها نعمة العقل، به يُجازى الانسان على أعماله وأقواله إن أحسن أو أساء، به تقرأ مكانته الاجتماعية وتحدد أعلميته وجهله، حماقته وحلمه، هو الميزان لكل تصرفاتنا.
ويُقال أن بلوغ الأربعين هي المكانة المثلى والعليا لاستقراره وتمامه، حتى أن قريشاً يرون ذلك ”في الجاهلية“ وهي التي لاتحترم كثيراً من المباديء والقيم الأخلاقية، لكنها ترى قدسيته في مثل هذا العمر ”وإن هي انحرفت بعقولها للضلال وأخطأت تقييم الرسالة المحمدية وحادت عن طريق الحق والصواب“ فقد قررت أن لايُسمح بدخول دار الندوة في مكة «برلمانها انذاك» إلا لمن بلغها، إلى أن جاء الإسلام فشرفه وجعله مقياساً للثواب والعقاب.
ونحن في المجتمع أيضاً يُقيَم أحدُنا بعقله، هو مَن يترجم أفعاله ومنطقه ومستواه بين جلسائه، والمفهوم العام يقول: ”كلما كبر كلما كبر عقله معه“ هذه هي القاعدة: ”من وصل لمبالغ التكليف دون رشد وإن صحت كل جوارحه لاتقبل تصرفاته ولايحاسب عليها ويحتاج لعاقل يدير أموره“.
ويعاب على الكبير إذا كان سفيهاً لإهماله توظيف الجانب الايجابي منه في الصلاح وإضاعته أو استخدامه في سلبيات حياته، وهو ما نراه اليوم من البعض وقد بلغ الأربعين أو تجاوزها. وكان يشار اليه بالبنان انه من ذوي العقول ولكن بعد التمحيص والاطلاع على أعماله المشينة وقبح اقواله انكشف للعيان فلم ينجح في الامتحان وبانت حقيقته.
ومنها ازدراءه لاصحاب الاصلاح، واتضح أنه يتاجر بعقله لسفه يصدر منه مراراً وتكراراً أضر بنفسه وعائلته ودينه والمجتمع.
وربما كان هذا كله تحت مظلة التدين أو مَن يدعيه ضد «فتية آمنوا بربهم نفروا وتفقهوا لإعلاء كلمة الحق ونذروا أقوامهم وبذلوا جهدهم وأموالهم» خدموا الإنسانية لعقود، إن كانوا أحياءً لازالوا، أو أمواتاً بما تركوا من مواريث علمية، حتى أصبح هذا الأمر شبه ظاهرة.
نسمع كل يوم من ينادي من هنا وهناك بتسقيط العاملين لرفعة الدين وفي أوجه الخير والخدمات الاجتماعية التطوعية، متقمصاً شعار المتدينين، بشتم وتنقيص وتزوير وتخوين وطعن في سيرة ونسب وسَوق من يخالفه إلى جهنم، أو بقوله لم ولن يغفر الله لفلان مجرد يخالفه في الرأي.
والتوجه يحث على الحلال ولايعمل به وينهى عن الحرام وهو أول مرتكبيه غيبة ونميمة «من انت ياهذا ومامقدار ماتحسنه من علم ودين»، حتى نالت أقواله رموزاً الكل يطأطأ لها الرؤوس، إلا من سفه نفسه كأمثاله فإنه يحاول تمكين المعاول من هدم صروح هؤلاء، فلا يتمكن لصلابتها، فترتد عليه معاوله وتصيبه بجروح لايتعافى منها.
هذه المواقف وبهذه الأساليب تولد فتناً اجتماعية وبينية، ومخاطراً عقائدية، وتفرقة طائفية، وبين البيت الواحد، خصوصاً على الشباب الناشىء ”الأغصان اللبنية“ فتضعه في حيرة من أمره، فلا يبصر المراهق الطريق الصحيح ليسلكه، ويعرف به الحق فيتبعه.
إلى متى ونسمع لهؤلاء نجاملهم ولانواجههم ونتخذهم قدوة ولانردعهم؟
فليخاف الله كل من يسيء للمذهب أو رموزه ومرجعياته أو رموز ومرجعيات الآخرين مهما كانوا وأي دين اتبعوا، وليتقوا الله فينا جميعاً ويخافوه.
جيل اليوم لايطالع في الكتب أو يبحث عن معلومات، إنما إلى وجه العالم ينظرون، وبفكر مَن يوجههم ويرشدهم ويثقون به يعملون، فإلى أين أنت تأخذ بهذه الفتية؟ وإلى متى؟
ثروة حياتنا تضيع منا وبنا ”العقل زينة جوهرة ثمينة قوّم اعوجاجه، إن رأيت فيه شيئاً يشينه، ولا تعوج تقويمه فتكسره بأكمله. هنيئا لمن جعل لسانه خلف عقله فتحاشى أن ينطق هجراً“ للأسف أفكارنا كل يوم تزداد تشدداً، إن أحببنا بالغنا، وعادينا من خالفنا، وإن كرهنا بالغنا، وصنعنا عداوة نحن في غنىً عنها. أجارنا الله وإياكم من الفتن ماظهر منها ومابطن.