أبو علي القطري.. ذاكرة رياضية ترحل
الله اكبر الله أكبر، على وقع صوت أذان ظهر هذا اليوم، فتحت صفحة الوفيات، أنظر من غادر دنيانا الزائلة، الا ويصعقني نبأ رحيل أحد الأصدقاء، أتهجى مفردات الخبر وأتفحص الصورة تائها، مرتبكا، ”انتقل إلى رحمة الله تعالى الحاج حسين عبدالله منصور القطري، إثر نوبة مفاجئة..“ يا الهي، أُتمتم بنفس متقطع، إنا لله وإنا اليه راجعون، ولا حول ولا قوة الا بالله، أعيد القراءة ومزيد من الترحم وأعود أتأمل الصورة وأجرُّ الوّنة، متسائلا تحت فوضى المشاعر، أصحيح انطفأ طيب القلب، تلبّسني الحزن والرؤية من أمامي غمام، أنفاسي كتمة، وعصرة صدر ووخزات في الضلوع، طيفك يا أباعلي ماثلا أمامي، بطلة وجهك البهية، وسماحة نفسك الأبية، وأستذكر تلك البسمات التي وزعتها على أحبائك، بظرافة لسان يقطر قصائد من الشعر الفصيح والشعبي، تلاقي الأحباب بقلب يفيض ودّا ومحبة ضافية، وأنت البادئ بالسلام والمكثر من تحايا الترحيب، حين تلقى أحد، كأنك آت من سفر تأخذنا بالقبلات وتسمعنا أبياتا من الأشعار.
مع نبأ رحيل أبو علي تتناثر المواقف وتتعدد المشاهد، أغمض عيني سارحا بشريط الذكريات. فتشت عن رسائل الواتس الكتابية والصوتية، التي دارت بيني وبينه، فاضت دموع العين أقلب رسائله حسرات، وأسمع صوته وأتوه مع تحليلاته وشروحاته الثرية، وكأنه مازال حيا بيننا غير مصدق نبأ الرحيل، هكذا الموت هادم اللذات خاطف الأحبة والأصدقاء والإخوة، بين طرفة عين وانتباهتها يرحل عزيز كل يوم! ندرك بأن الموت حق لكننا في هذا العام لم يفارق الموت ديارنا، شكّل غيمة حزن في سمانا، كل يوما نساء ورجال يرحلون وكثير منهم في عز الشباب أو في منتصف العمر، غادرونا وتركوا في القلب مزيد من الأحزان والأوجاع.
كلماتك يا أبا علي القطري التي أحتفظ بها ترجمان قلب يفيض عشقا لتراب الخط وكل من سار عليها وتنفس من هواها، معزتك طاغية حد الوله، وكنت أتسائل أأنت تسكن القطيف أم القطيف تسكنك، يا أيها المتيم كم أخبرتني عن أناس قضوا نحبهم من كتاب وأدباء وشعراء ورياضيين كنت قريبا منهم وعن رجالات الأزمنة الذين كانت كلماتهم مسموعة بطول المدى وعمقا في الأفئدة.
وكم واعدتك يا أبا علي القطري بأن نلتقي لتحدثني عن ماض الأندية الرياضية لقطيف الأمس، وعن ذاك التنافس المحموم بين نادي البدر والشاطىء والأخير كنت لاعب خط الوسط بين صفوفه برهة من الزمن، ناديان غريمان في كل شيء أعلنا اتحادهما عام 1981 ليكونا ناد الترجي، كنت متلهفا منك لمعرفة لاعبين لهم صولات وجولات في كلا الناديين، وعن أيام حافلة بالتنافس الكروي من كرة القدم وتنس الطاولة وكرة الطائرة، والأخيرة هي اللعبة التي فرضت حضورا على كل مساحة المنطقة الشرقية زمن السبعينات.
يا أبا علي رحلت ولم أفِ بالوعد للقاءات ضائعة بين التسويف والتأجيل وتبرير الانشغال، كنت أمني النفس لنلتقي وجها لوجه بساعات مطولة لأستفيد من مخزون ذاكرتك الثرية، كنت متشوقا لسماع ما في جعبتك عن عوالم الرياضة القطيفية القديمة التي لم تدوّن بعد، مرورا بالتراث وبكائيات الزمن الجميل أبان المد القومي، وعطش أمجاد الستينات ولهفة العروبة التي كانت تسري في دماء الشباب وعن ثلة الطامحين لرؤية أمة عربية واحدة، ثمة بوح كنت سوف تدلي به عن وجوه منسية مغيبة عن جيل اليوم.
أي فقد لرحيلك يا أبا علي، وأي خسارة لضياع ذاكرتك الرياضية التي لم يدوّن منها الا قليلا، بضعة مقالات لك نشرتها في قطيف اليوم، لست وحدي من فقد ذاكرتك الرياضية، كل جمهور الترجي فقدك وأنت المشجع عالي الصوت بالكلمة والرأي السديد، والمناصر العتيد، والغارق في تاريخ القطيف التليد.
ما هو حال أحبابك في قروب ”المخضرمين“ من لاعبين وحكام ومعلقين وكتاب رياضة، عن رحيلك المفاجئ عنهم صباح هذا اليوم، وما هو حال فريق أسسته منذ 30 عام وأسميته فينيسيا، لينافس فرق حواري محافظة القطيف، شباب يعتبرونك قائدهم وملهمهم كرويا، ولك فريق أكبر منهم سنا أطلقت عليه مسمى العلمين، أنت العلم المرفرف بين أجنحة الفرقتين، بدعمك لهما معنويا وماديا، ورعاية جيل كروي طامح، عينك حاذقة تكتشف من بينهم المواهب المتميزة لتصعدهم تشجيعا لينضموا لفرقة الترجي.
ساعد الله قلوب كل من عرفك عن قرب وخبر معدنك النفيس. يا أبا علي كم تكرمت بارسال صور قديمة أصبحت بين يدي وأخرى تسجيلات منك تجر الآهات لأيام مضت بصوتك المفعم حماسا وطيبة من نسل الاسلاف، هي زاد عندي وقطعا عند غيري من محبيك.
يا راحالا عنا أنت الرفيع بأخلاقك المتواضعة، المتسامح مع الصغير والكبير، والمشجع لفعل الخير، ودائما في نهاية كل تسجيل صوتي عبر رسائل الواتس بيننا، تقول لي مخاطبا بعد أن تثني على مقابلة عابرة لي عبر التفاز أو الاذاعة ترسل لي اطراء وكلمات اعجاب وترشدني عن أشياء لم أذكرها في الحوارات المباشرة وحين أشكرك ترد علي وتقول ”إني اتعلم منك وأكتسب معلومات ومعارف لا أعرفها“ وتؤكد بأنك لازلت تتعلم، وأنت العارف بأمور أكثر مني!، أي روح جميلة تملكها وأي تواضع جم يلف جوانحك، ود لا متناهٍ يطل من محياك ومحبة صادقة أيها الطيب يا نقي السريرة.
آه يا زمن، أبعد رسل التواصل وعمق المحبة التي جمعتنا، يأتي يوم وينقطع كل شيء، أنى الوذ بذكراك وأنا الغارق بالدموع.
آه يا أبا علي إننا لفراقك لمحزونون، عصر هذا اليوم شيعك أحبابك والأصدقاء وأهالوا التراب على قبرك وهم يدعون لك بالمغفرة والرضوان. حين قرأت على روحك الفاتحة اصطففت مع الذين أعرفهم؛ زهير الضامن وأستاذي ميرزا الضامن وصديق عمرك زكي المرهون والمهندس حسين الخليفة، لتقديم واجب العزاء والسلام على أهلك وأولادك وأقاربك الموجوعون بألم الفقد وقسوة الرحيل المفاجئ، كانوا واقفين بجوار سور المقبرة الشرقي ذاك يبكي وذاك يغالب الدمع، ثمة عبارة تفيض حسرة على حسرة تلهج بها السنة المحبين، ”أبو علي راح، أبو علي راح، راح أبو علي عنا، راح أخونا العزيز راح“. أيها الأحباب يا من انعكست على وجوهكم الحزينة شمس المغيب، وأنتم تترحمون على روح ”أبو علي“ فإن شمسه لن تغيب عن وجدانكم، هو يحيا في قلوبكم نبض محبة وذاكرة مستفيضة.
يا أبا علي ونحن على باب ”مقبرة الخباقة“ بلغني من رفيق دربك أو توأم روحك، الأخ زكي المرهون بصفات لازمتك طوال سنين عمرك، بأنك خدوم، ومتسامح لأبعد حد، ولا ترضى أن تزعل أحد أبدا، وكنت المبادر لاصلاح ذات البين.
يا راحلا كنت كريم النفس والخلق، ومع وقع أذان المغرب، نقول جميعا الف رحمة ونور تتنزل على قبرك يا أبا علي.
آه وآه على فقد الأحباب، أعزي نفسي بفقد أخ أعتز بصداقته وطيب مودته، وأُعزي كل عائلتك الكريمة فردا فردا وكل من يرتبط بك بنسب أو صلة قرابة، ولي شيء من ذلك نصيب، أيضا أقدم أحر التعازي الحارة لجمهور نادي الترجي بفقدهم رجل من الرجالات المخلصة والمناصرة للنادي قولا وعملا، وكل قروب المخضرمين الذين يربو عددهم على 200 شخص وجميع لاعبي فرقتي فينيسيا والعلمين.
رحمك الله يا أبا علي رحمة واسعة وجعل قبرك روضة من رياض الجنة، وسلام على روحك المحبة لكل الناس.