الماضي الجميل.. مع المؤرخ أبي عبد المعطي التركي
جمعنا لقاء مع العم المؤرخ وشيخ النواخدة والنهامة الكبير الحاج أبي عبد المعطي التركي أحد أبناء جزيرة تاروت، واستمتعنا بالحديث والحوار معه حول تاريخ المنطقة «جزيرة تاروت» بشكل خاص، وعن زياراته لدول الخليج وتجاربه مع الغوص والتحديات والصعوبات التي واجهها في أهم المناطق الخطرة الذي غاص فيها، إذ تلامس هذه الحدود البلدان العربية وغيرها من البلدان المجاورة الأخرى لدول الخليج العربي.
وانضم معنا في الحوار الناشطُ الاجتماعي والمهتم بالتراث التاريخي الأستاذ يوشع المرزوق، وهذا ما أضفى متعة على الحوار، وطرح كثيرًا من التساؤلات الرائعة حول تفاصيل دقيقة عن طبيعية ما كانت تمثله جزيرة تاروت من موقعية جغرافية مهمة وحساسة في فترة زمنية تاريخية مرت بها المنطقة وما كان يمثله الغوص في تلك الفترة.
عايش «أبو عبد المعطي» جزءًا منها بنفسه بكل تفاصيلها، كفترة الغوص التي كان تشكل يومها أهم مصادر الرزق لأبناء المجتمع، وتزامن معه بارتباطه مع أهم نواخد الغوص في المنطقة وخارجها وأشهر النهامة يومها، وكذلك ذكر لنا أنه كان أحد النشطاء الاجتماعيين والمبادرين في صناعة مجتمع متحضر ومتغير ومتقدم، إذ كان أول المؤسسين الأساسيين لجمعية تاروت الخيرية مع مجموعة من أبناء المجتمع، بل يذكر أنه كان صاحب فكرة واقتراح تأسيس «جمعية خيرية» في جزيرة تاروت؛ نظرًا لحاجة المجتمع لإنشاء مؤسسة خيرية منظمة وتحت رعاية الدولة لضمان بقائها واستمراريتها لتقوم بأدوارها الخدمية الاجتماعية بأحسن وجه، والاهتمام بإنشاء المرافق الخدمية الاجتماعية فضلًا عن صيانتها ومتابعة أحوالها أولًا بأول، ولكثرة انشغالاته وتغيبه عن المنطقة لعدة شهور، إذ التحق فيما بعد بشركة أرامكو للعمل فيها، وكان يعمل بآلية المناوبات «نظام الشفت»، فإن هذا النظام أصبح عائقًا له في التوفيق بين العمل في الحقل التطوعي الاجتماعي وبين عمله الجديد في الشركة، ما اضطره إلى تسليم إدارة الجمعية الخيرية إلى مجموعة أخرى من أبناء المنطقة وأخيارها لإكمال المسيرة، ويظل هو داعمًا لوجستيًّا ومساهما ماديًّا ملتزمًا بذلك.
وإضافة إلى عمله الخيري، قد ساهم في تأسيس عدة هيئات اجتماعية ودينية، كهيئة دعم الراغبين للزواج وخاصة الضعفاء منهم ماديًّا، وهيئة العزاء الحسيني «موكب الزنجيل»، وكان من أول المؤسسين لهذا الموكب، وهو موكب كبير جدًّا في المنطقة واستمر لعدة أعوام، وهذا العزاء بهذه الطريقة لم يكن مستجدًا على المنطقة كما يذكر بعض الإخوة الأعزاء، وتأسيسه هيئة النهامة الداعمة للحفل الزواج للعريسين مجانًا، والاستغناء عن النهامة التي تجلب من الخارج وهي مكلفة ماديًّا على العريس بالخصوص.
ويحتفظ الحاج أبو عبد المعطي في ذاكرته كثيرًا من القصائد والألحان المتنوعة؛ جزء منها من تأليفه والجزء الآخر للنهامين المشهورين على مستوى الخليج العربي، بالرغم من أنه قد تجاوز الثمانين عامًا، إذ يشتهر أهم النهامين من أصحاب هذه المهنة بشكل أوسع في دولتين من دول الخليج العربي وهما البحرين والكويت؛ لهذا يكثر الطلب عليهم من هذين البلدين، ويتركز دور النهامين في إشعال الحماس لدى البحارة بين أصوات الموج وهدير البحر وصرير الصواري وتغير الرياح وحين رفع أشرعة السفن للاستعداد للرحيل أو عند مرور الظروف الصعبة التي يواجهها البحارة، ويغلب على مواويل النهام الأدعية والابتهال إلى الله بصوته العذب، والطلب من الله بتسهيل مهمتهم وعودتهم سالمين إلى ديارهم ولأحبابهم بعد غياب طويل قضوه بعيدين عن الديار وعن أُسرهم وهم في وسط البحار، فهم يُبحرون في مناطق يحيطها الخطر من فوقها ومن تحتها ومن كل جانب، ما يضطرون للمكوث لفترة طويلة في وسط تلك البحار ومع الأجواء المختلفة والمضطربة.
ويُعد الحاج أبو عبد المعطي أحد خدمة أهل البيت منذ نعومة أظافره وما زال حتى وقتنا الحاضر، وله مجلس حسيني من أقدم المآتم الحسينية في جزيرة تاروت وأشهرها «حسينية التركي - حي الدشة» المشهورة بهذا المسمى، وكان أشهر الخطباء في منطقة القطيف يقرؤون عنده، ومن الخطباء البارزين الذين كانوا يقرؤون سنويًّا لديه لأكثر من خمسة وعشرين عامًا هو المرحوم العلامة الشيخ عباس المحروس «أبو فاضل» أعلى الله درجاته مع أسياده الأطهار محمد وآله الطيبين الطاهرين، كما قرأ عنده أبرز الخطباء المعروفين والمشهورين على المستوى الداخل والخارج.
والكثير الكثير في جعبة المؤرخ الحاج أبي عبد المعطي، وواعدنا بوقت آخر وأطول لسرد المزيد عمَّا تحمله ذاكرتُه من قضايا تاريخية غنية بمعرفة تاريخ المنطقة وتفاصيل الحياة قديمًا، كما ذكر أنه يُعد له حاليًّا أحد الكتاب ديوانًا تاريخيًّا باسمه يحتوي على كثير من المعلومات التاريخية المرتبطة بالمنطقة وخارجها، ومن المتوقع أنه سيكون كتابًا مهمًا ومرجعًا رئيسًا للباحثين والمهتمين بالتراث والتاريخ.
هذه كانت نبذة مختصرة وسريعة عن اللقاء العفوي والموفق الذي جمعنا مع المؤرخ أبي عبد المعطي في منزل العم العزيز المرحوم عبد الله بن علي بن ناصر أبو سرير «أبو حسين» رحمه الله برحمته الواسعة في تاريخ 30/11/2021م.