في هذا الزمن، ليس فقط النجاح يتسارع، ولكن حتى الفشل
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم * بسم الله الرحمن الرحيم:... ﴿«136» قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ «137» هَٰذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ «138» وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «139» إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ «140» وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ «141»﴾... - آل عمران.
في الوقت الذي وَضَعْتُ فيه الكثير من علامات الاستفهام على التراث الديني الذي وصلنا عبر الكتب الصفراء، لا يزال القرآن كتابا عظيما، فيه الكثير من الموعظة. يستطيع المرء أن يستخرج الكثير منه الحكمة والتعلم من أحوال الماضين وإسقاط ما حدث حينها على الحاضر. والناس في تكرار مستمر لأخطاء من سبقهم؛ خصوصا، إن تم تقديس تصور الأولين البدائي الذي يعتمد شرحه كثيرا على الخرافة. طبعا، الكل يظن أن الخرافة موجودة فقط عند الآخرين، مثل أولئك الذي يتبركون بروث وبول البقر. وعلى فكرة، البقرة هي ذاتها؛ سواء، كانت على أربع أو على اثنتين. الفرق أن ذات الأربع تنفع ولا تضر، بينما ذات الاثنين قد تضر ولا تنفع.
يشير القرآن لقصص الأولين ويلفت أنظارنا إلى عاقبتهم؛ التخلف والعناد، وفي النهاية الإبادة. ويؤكد القرآن أن المتقين هم الذين يهتدون بنور الكتاب المنير. ويبشر بعدها المؤمنين بأنهم الأعلون، وهذا يعني أن الذليل ومن في مؤخرة الركب ليس مؤمنا وإن تهيأ له الأمر، ومَنَّى نفسه وعشّمها بضنك العيش الذي يحاصره في كل مكان. من الطبيعي أن تمر على المؤمنين حالات من الضيق للتمحيص، ولكن ليس من المعقول أن يستمر الأمر لأكثر من ألف سنة، وذلك لأن الاستمرارية في الرجعية دليل البعد عن نهج القرآن الكريم. وانعكاسات النجاح والتفوق دليل ليس فقط على الإيمان، ولكن على نقاء المسيرة، ومن خلال النجاح يُعْرَفُ المؤمنون الذين يجعلهم الله شهداء على الناس. هؤلاء نجحوا لأنهم اتبعوا سبيل القرآن. وأولئك فشلوا لأنهم حادوا عن طريق القرآن. ومن خلال هذه الدلائل يمحص الله المؤمن من الكافر. المؤمن يؤمن بالدليل والبرهان ويصدق ما يرى. الكافر أعمى عن الدليل ويصدق ما يسمع ويتبع أمانيه بدلا من أن يستشف حاله من وضعه على هذه البسيطة.
هذا زمان النجاح المتسارع، أو الفشل المتسارع أيضا. العلم اكتشف لقاحا لكوفيد 19 في غضون سنة. في السابق، كان الأمر يتطلب وقتا أكثر. هذا دليل تسارع النجاح الذي تراه الأعين وتلمسه الأجساد، ولكن هناك من لا يرى ولا يسمع. وعلى من لا يرى ولا يسمع أن يجهز نفسه للفشل المتسارع؛ خصوصا، لأنه يعيش وهما ويظن بأنه الأعلى، ولكن في الواقع هو لا يعلم ما يحدث في العالم ويعيش حقبة بعيدة تماما عن هذا الزمن. وإليكم مزايا المؤسسات الناجحة؛ وطبعا، عكسها الفاشلة.
المؤسسات الناجحة تخترع وتتبنى المفيد وتتخلص من المضر. وتستمر على هذا المنوال ما حيت. المفيد اليوم قد يكون مضرا في السابق، وعليه لابد من التخلص منه. على سبيل المثال، كان الجاموس مفيدا لحرث الأرض سابقا. اليوم، العاقل والمتطور لا يستخدم جاموسا للحراثة. فقط البدائيين الذين لا يستطيعون التعامل مع الحضارة.
المؤسسات الناجحة تتعلم الجديد وتستخلص معرفة جديدة تستفيد هي منها وتقدم نتائجها للناس على أعمال نافعة سواء كانت ملموسة، مثل الهاتف الذكي، أو فكرية تضيء طريق المتنورين. ليس فقط ذلك، المؤسسة الناجحة تعيد تصورات هذه المعلومات لتحصل على معرفة جديدة وكذلك تعيد هيكلة نفسها لتتناسب مع المعارف الجديدة. وكذلك تتوقع ما سيحدث في المستقبل وتستشف التبدلات من خلال الأمزجة المتغيرة والأوضاع الاقتصادية. أما المؤسسة الفاشلة فلا تتغير ولا تريد التغيير لأنه ليس في صالحها كونها عاجزة عن التغيير وكون زبائنها كارهون للتجديد. وليس من السهولة أن تقنع ريفيا بأن يستغني عن جاموسته ليستبدلها بآلة حديثة هو لا يعرف كيف يتعاطى معها. ولو اعتمدت البشرية على هذا الريفي لهلكت. عندما يعرف الريفي حدوده ويذعن لضعفه، هذه ليست مشكلة. المشكلة حينما يظن هذا الريفي أن ما يقوم به هو الصحيح وما يفعله غيره خطأ، وبنى على ذلك من خلال جهله لا من خلال معرفته. وربما يقع اللوم الأكبر ليس على الريفي الذي أخذ مقلبا في نفسه، ولكن على من يصدقه في هذا العصر. الكافر في عصر الأمية معذور لجهله. ولكن الكافر في هذا العصر، ما عذره؟