آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

وداعا أسطورة كرة القدم «28»

عبد العظيم شلي

بيبي أيها القادم من بلاد تعشق كرة القدم، تتنفس اللعب فنا ومتعة منذ 153 عاما، حيث تم تقديم لعبة كرة القدم من قبل المهاجرين البريطانيين في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، بعد أن استوطنوا العاصمة ”بوينس آيرس“ وقاموا بنشر اللعبة في ساحاتها، بدأ من سنة 1867، أي بعد نشوء كرة القدم في بلادهم ب 3 سنوات، ولم يكتفوا بتمكين الناس من اللعب بل قاموا بتأسيس أشهر الأندية الارجنتينية وأشاعوا فيها روح التنفاس بين اللاعبين والجماهير.

يدلنا تاريخ بلاد التانغو الرياضي على أن أول دوري ارجنتيني أقيم سنة 1891، عام موغل في القدم ومتفوقا من حيث الأسبقية على كثير من دول مشاهير اللعبة، وقد صنف بخامس أقدم دوري بعد انجلترا واسكتلندا وايرلندا الشمالية وهولندا، وثامن أقدم اتحاد في العالم الذي يعود تأسيسه سنة 1893. اذاً كرة القدم متجذرة تاريخيا في هذا البلد، عراقة ولدت أجيال كروية حتى غدت اللعبة الشعبية الطاغية على بقية الألعاب.

كرة القدم الارجنتيينية حراك اجتماعي، وصناعة وربح اقتصادي، وتصدر لاعبيها الى مختلف الدول.

بلادك يا فتى تستثمر أموالا من دخل اللاعبين المغتربين أبناء وطنك وأنت واحد منهم، والمحظوظ من تقع عليه العين ليلعب في القارة العجوز، وجهتهم باتت معروفة بريطانيا أو اسبانيا، أم بلاد الرومان فأنت أول من تطأها فلم يسبقك أحد من قبل، أنت من مهد الطريق كأول لاعب ارجنتيني يصل الى ملاعب ايطاليا، وصلت اليهم والشوق يملأ عيونهم حيث يظنون بأنك منهم لأن كثير من المهاجرين الإيطاليين استوطنوا أرضك واندمجوا كبقية الوافدين الاوربيين مع السكان الأصليين بلاد آباؤك «الهنود الحمر»، وأصبحوا مواطنين وتصاهروا مع أجناس اوروبية أخرى، خلطة خلاسية خالية من العرق الأفريقي والآسيوي.

ثمة تعاطف شعبي ايطالي للأرجنتين مرده تلك الهجرات الكبيرة التي يعود تاريخها الى منتصف القرن التاسع عشر من الايطاليين الفارين من الفقر والمجاعة، وثمة هجرات متقطعة على مدى الخمسة قرون الماضية وزادت خلال الفترة الاستعمارية 1810 «اسبانيا والبرتغال»، ثم أتت الدفعات الاوربية الأخرى.

فغالبية سكان الارجنتينيين تعود أصولهم الى ايطاليا بالدرجة الأولى ثم اسبانيا والبرتغال، وبنسب أقل لكن متفاوتة من فرنسا وايرلندا وكرواتيا والمانيا وحتى من اقليم الباسك وجلاسيا، وجزء من الشعوب السلافية، اذاً الشعب الارجنتيني ثلاثة أرباعه من أصول اوروبية، وتشير الاحصاءات بأن نسبة الايطاليين هي الأعلى من بين كل المهاجرين حيث يصل عددهم 25 مليون نسمة وبالتالي يشكلون حوالي 60? ويأتي في المرتبة الثانية الاسبان بنسبة 31? من سكان الأرجنتين البالغ عددهم 41 مليون نسمة.

والدة مارادونا من أصل سلافي «الصقالبة» وتحديدا من كراوتيا، أما والده من السكان الأصليين «الهنود الحمر» الذين يشكلون 8?، نسبة ضئيلة، بسبب الغزوات الدموية، وما تبقى هم أحفاد الناجين من محارق المستعمر الاسباني، وهناك أيضا جنسيات آسيوية وعربية لكنهم يشكلون 1% فقط.

يعتبر الفتى الذهبي خلاسي، أي خليط بين قوميتين، أب هندي وأم سلافية، أخذ ملامح وصلابة أبيه الجسمانية ودهاء وفطنة أمه.

وليس الفتى وحده في ميادين الشهرة، كثير من الأعلام الارجنتينين الذين يعتبرون أيقونات عالمية تعود أصولهم للقارة العجوز، على سبيل المثال ”البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان“، والمناضل الثوري ”تشي غيفارا“، واللاعب الفذ ”ليونيل ميسي“، وأعداد كبيرة من السياسيين والعلماء والفنانين والأدباء وغيرهم، لكنهم من مواليد الارجنتين.

وسط هذا التركيبة السكانية الفسيفسائية للارجنتين انعكس كل شيء على عموم ثقافة البلد التي هي مزيج من العناصر الأوروبية وتأثيرات الهنود الحمر، لكن الطابع العام اوروبي في العمارة واللغة والديانة والأدب والموسيقى، أما أسلوب لعبة كرة القدم فهو أيضا مزيج من اللعب اللاتيني الذي يعتمد على المهارات الفردية العالية واللعب الجماعي الاوروبي، وهذا هو طابع الكرة الارجنتينية المميز والمختلف على باقي دول امريكا الجنوبية ويعتبر المنتخب الارجنتيني من أقوى المنتخبات على الساحة العالمية.

واحصائيات اللاعبين الارجنتنيين المحترفين في شتى أنحاء العالم موزعين في جميع القارات ما عدا قارة افريقيا، جزء منهم محترف في الدول المجاورة للارجنتين أي القارة اللاتينية لكن أغلبهم يشد الرحال الى اوروبا ويبلغ مجموع المحترفين خارجيا 2172، وتعتبر الارجنتين ثالث دولة في العالم تصديرا للاعبين بعد البرازيل الأولى وفرنسا الثانية، هؤلاء يدّرون دخلا لخزائن بلدانهم ويماثلهم طاقم من المدربين وخبراء التدريب.

كرة القدم ليست مجرد لعبة إنما هي صناعة وسياسة واقتصاد وفن وعلم وذاكرة أمم وهوية شعوب، أما أمة العرب وبكل أسف متخلفة عن هذا الركب قياسا لتلك الأمم، التي انطلقت اتحاداتها الرياضية وتأسست قبل نشوء كثير من كياناتنا العربية، بالإضافة لعقول تفكر وتخطط للنهوض بمستوى اللعبة الشعبية الأولى على مستوى العالم، اذاً لا غرابة حينما تأتي المنتخبات العربية في ذيل القائمة، طالما لم تستطع أن تفرق بين ”طقها والحقها“ وبين استشراف المستقبل!

*يصادف هذا اليوم مرور عام على رحيل الاسطورة، والذاكرة لازالت تسرد تفاصيل الحكاية.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
اسماء
[ القطيف ]: 26 / 11 / 2021م - 1:59 م
مع كامل احترامي للكاتب و حرية الرأي

فلي رأيي أيضا :

لا يستحق لاعب واحد كل هذه السلسلة من المقالات
فهو في الأخير لاعب
و هو أيضا لاعب له أخطاؤه التي تقلل من كونه قدوة للشباب
على المستوى السلوكي .

الله يرحمه و كفى .