الشّك واليقين
عندما نقرأ قصص الأنبياء تتجلّى عظمتهم مع الحياة وما قدَّر الله لهم أن يكون في ميزان الحياة، حين يضعون عدلهم كما أمرهم الله تعالى، يتقدّمون إلى تلك المعارك في إبادة أو إزالة أدران الظلم أو الشّك في قدرة الإله على عظمته أمام المناوئين للقيم والاستبداد بسبب أطماعهم التي لا تنتهي وفلسفتهم تجاه الحياة التي نعيشها.
الإنسان كائن معقّد كما أعتقد، يناظر ويراوغ في طهي الحقيقة التي أبكت الفلاسفة للوصول إليها، لكنّ الضدّ يتصدّى دائمًا للظلم من أنبياء ونبلاء وضعوا التشريعات، ومن أوصياء ومن مؤمنين آمنوا برسالة السّماء، والمرسلون لكي يبقى الإنسان ينفرد بتجاربه أمام هذه الرّسالات والتجارب التي تنذر البشر، بأنّ الأفعال لها مكاسب حسنة أو سيئة، ومهما بلغنا من الحكمة نظلّ نحاكي تجاربنا يومًا بعد يوم.
العنوان الرئيس لهذا المقال، إنّ صح التعبير، هو: كيف تبدأ قصة الإنسان منذ الولادة؟
حياة مليئة بمفاجآت لا تنتهي، منها قدرة الإنسان على المواجهة في العلم والاكتساب والمعرفة. في اعتقادي أنّ البشر تم تصنيفهم قبل الولادة من الله عزّ وجلّ، وإن اختلفنا كثيرًا في هذه النقطة؛ لأننا أيضًا مسَيَّرون ومخيّرون، قوله تعالى: «وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ»، كلٌّ حسب قدراته الجينية في علّة التشكل حتى يأخذ الوضع المناسب الذي رُسم له، وهذا فيه من الجبر في خلقتك أكثر من أن يكون اختيارًا.
لأنّ المعادلات والخطط التي شكّلها الإنسان في النهوض للبعض تظلّ خارج التحليل العقلي الذي وضعه العلماء والفلاسفة في تجاربهم. فحين تلاحظ كون البعض فقيرًا أو غنيًّا، والمستقبل مثالًا يأتيك بدون مشقّة، أو تستخدم جميع الطاقات للحصول عليه، مما يشكّل للبعض صبرًا وللآخرين كسلاً غير مقاوم، هذه المكونات دروسها متصلة مع بعضها للنّمو والتقدّم والاستفادة من الآخر، كيف وجدت العلّة حتى يظهر المعلول بين القوة الفاعلة والأثر المترتب على ذلك، والعقل البشري أيضًا قادرٌ على استغلال الفرص التي تأتيه في الحياة من الكسب المعرفي والطاقة التي تشكّلت أو اكتسبها من الآخرين والتنبيه أو النصيحة التي طالما وجدت لها ضجّة مستمرّة من آخرين وصلوا إلى النقطة، كانت الحلم الذي وقع في خيالهم، لكلّ قصة ألمها وفرحها منذ اليوم الأول للحكاية حين يبقى السؤال الأهم، من أنا؟.
للوراء قليلاً...
الرّضيع الذي ولد تجده تحت مدينة الرّصد من الوالدين أو المجتمع، نُشكّل لهم أهداف الحياة حسب الرؤية والمعرفة ثانيًا، تبدأ قصتك بالولادة، تبكي حينها، ولا تعلم لماذا البكاء! تزداد نموًّا، تحاول الكلام تجرّ حقيبتك إلى المدرسة، تذهب إلى الجامعة، ترى شابة من بعيد، تتقدّم إليها، تخطبها ثم تتزوجها.
تحيّي زوجتك كلّ صباح، تودّعهم جميعًا حتى تنطلق إلى عملك، يومًا ما تنظر إلى يديك، ربما تصرخ، تجاعيد يدين منكمشتين، ترسل عينيك في أرجاء المكان، تتلفّت يمينًا وشمالاً، شعرٌ أبيض، وجه مطوي، تحدّق بقوة، ثم تقول: يا إلهي، إنّها زوجتي!
تظلّ الأسئلة الطبيعية للبشر جميعًا...
ما سبب وجودنا؟ ولماذا نعيش ثم نموت؟ وما الفائدة من الحياة والموت؟
هذه الأسئلة تم رصدها منذ اليوم الأول للحياة من الفلاسفة والعلماء بأنواعهم وما يزال البحث مستمرًّا، ربما هذا لأنّ بعضنا غير مستمتع بهذه الحياة قياسًا إلى الظروف المعيشية أولًا وأخيرًا، لكن يظلّ الإنسان يضع فلسفته الداخلية للقفز على الألم والمجهول حين يضعها في قالب الشعر أو القصة أو الموسيقى في الاستمرار والتنفس.
يظلّ السؤال: ما هي السّعادة الحقيقية؟ وما هي ارتباطاتها؟
الغريزة هي الوحيدة التي تشعرك بجمال هذا الكون المعقّد وماهية الوجود التي لا تنتهي بينها الجمال والماء والطبيعة والكون. حينها تستلم لكلّ حكاية بينها أنت والوجود معًا، إنّها قصة تراجيدية أو كلاسيكية تستطيع أن تصنّفها الرؤية والخيال وتضعها في قلبك أو عقلك بعيدًا عن رأي الآخرين وفلسفتهم ومبادئهم معًا.
قالوا: علّمتني الحياة أنّني عندما أفرح أظهر فرحتي لأسعد بها من حولي، وعندما أحزن أواري حزني كما يخفي الربيع آثار الخريف.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: 49].
طاب يومكم. سلام الله عليكم ورحمة منه وبركات