لن يطير العالم بعدها!
”سبعة أشياء يجب أن تفعلها قبل سن الثلاثين“، ”تسعة أمور يجب أن تلحق نفسك وتغتنمها قبل الثلاثين“، ”عشرُ نصائح عليك اتباعها وتنفيذها قبل الثلاثين“، ”ألف شيء يجب تحقيقه قبل وصولك إلى الثلاثين“.. مئات العناوين التي تُمطرنا بها بعض المواقع الإلكترونية وصفحات مواقع التواصُل الاجتماعي مؤكدة على ضرورة إنهاء كُل أهدافنا على وجه الأرض قبل سن الثلاثين؛ يجب أن ندّخر الملايين، ونُسافر إلى كل مدينة وقرية في العالم قبل أن ننطلق في بضع رحلات موفقة إلى الفضاء الخارجي، ونعمل 24 ساعة 356 يومًا كل عام، نفوز بكل الجوائز المُتاحة، نتزوج وننجب ونتطلق ثم نتزوج مرة ثانية ونموت ونعود لنحيا من جديد وكأن سن الثلاثين نهاية العالم وبداية يوم القيامة والبعث والحساب والنشور!
كُنتُ من المخدوعات والمخدوعين زمنًا بتلك الترَّهات إلى درجة الخوف من الوصول إلى هذا السن الذي سينطفئ فيه العالم وتختفي النجوم ويبلع الحوت القمر، إلى أن جاء اليوم المجيد الموعود واكتشفت أنها كلها ليسَت سوى أكاذيب وأباطيل، لا ينتهي أي شيء بعد سن الثلاثين، بل تبدأ الحياة الحقيقية المُبهجة: تتحسن صحتك، تتحسن ظروفك المادية، تتحسن حياتك العاطفية، تُصبح أكثر احترافًا في التعامل مع هواياتك واستمتاعًا بحياتك وقُدرة على تحقيق أهدافك بفضل خبرة الحياة، ستكتشف أن كل عامٍ يأتي يدعمك ويُساندك أكثر على تحقيق المزيد، وستكتشف أن العُمر يُهديك هدايا مُفاجأة أروع وأكبر وأكثر إبهارًا من توقعاتك ما كُنتَ ستحظى بمثلها لو كُنتَ أصغر سنًا.
الحقيقة أن أرقام العمر لا تأكل من حياة الإنسان إلا في حالٍ واحد هو ”الفقر“، الظروف المادية المُتردية تجعل العشريني عجوزًا ثمانينيًا وأكثر، والظروف المادية الممتازة تجعل المئوي يعيش رفاهيةً وبهجة وعشقًا للحياة لا يحلم به المُراهقون! اسعَ لأن يكون دخلك المادي وفيرًا ما دُمتً حيًا، وتجنب الهموم والغموم والأحزان، وستتبعك السعادة أينما كُنتَ في كل الأعمار.
في عصرٍ كعصرنا المُتخَم بالفرص المُتجددة لا شيء يفوت أو يضيع، كل قطارٍ يُغادر سُرعان ما يأتي غيره، كل شمسٍ تغيب تعود لتُشرق في يومٍ آخر، هناك دائمًا مناجم بانتظار من يكتشفها، وأموال بانتظار من يغترفها، وأشخاص بانتظار شخصٍ يُحبهم يُحبونه، كل الأعمار لها نصيبها من إعمار الأرض، العالم موجود في مكانه ويتجدد في كل لحظة، ولا مكان لليأس إلا لمن يجهلون أبجديات كتاب الحياة الأزلي وتاريخه الذي يُكرر نفسه مؤكدًا حكمة الدهور.
