آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

لمحات من حياة الحاج ناجي المسكين

الدكتور مصطفى المزعل *

بعد رحيل الإنسان من هذه الدنيا، يبقى عمله الصالح، وذُريّته التي ربّاها، وسمعته التي تشكلت على مر السنين، يذكره الناس بين الفينة والأخرى، ويسترجعون شريط الذكريات. إن أقل ما نقدمه لمن رحل عنا، هو ذكر محاسنهم، وبعض المواقف معهم، وإن كان من الصعب ترجمة ذكريات وعبق الماضي مع أحبابنا لبضع كلمات قد تبخس حق تلك اللحظات وتخفق في الوصف.

مرَّ عامٌ على رحيل جدي الحاج ناجي محمد المسكين ”أبو فؤاد“ رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وبهذه الذكرى أودّ سرد لمحاتٍ بسيطة، وبعضًا من صفات الفقيد علّها تصف شيئًا من شخصيته.

الإيمان

كان رجلًا مؤمنًا وعابدًا زاهدًا، وتجلّى ذلك ليس في أداء العبادات من واجبات ومستحبات من أعمال يؤديها الإنسان بينه وبين ربه فحسب، ولكن تجلى في دماثة خلقه، وحسن معاملته للقريب والبعيد، وأمانته، ونزاهته، وإنفاقه من وقته وماله في أعمال الخير، كان مُتيّمًا بالرسول وأهل بيته ، يقيم مجلسًا أسبوعيًّا في منزله ويحيي بشكل خاص ذكرى ميلاد الإمام المهدي مصحوبا بعشاء سنويٍّ في منزله، ثم استمرت هذه العادة للحسينية التي أسسها ”حسينية الزهراء“ ، وكان مواظبًا على صلاة الجماعة، ويرفع الأذان في مسجد السيدة خديجة بسيهات.

الكرم والعطاء

كان كريمًا معطاءً داخل بيته وخارجه، يبذُل من ماله للمحتاج القريب والبعيد، وُفِّق لتأسيس وقف لله، وما أجمله من توفيق، تيسّر له البذل والعطاء لمختلف الجهات، لا يبتغي بذلك إلا وجه الله، دائما ما يُقدم الهدايا لعائلته بعد عودته من سفره، أو في المناسبات، بل حتى من غير مناسبة، كانت يده ممدودة دائمًا فزاده الله خيرًا، كان مضيافًا كريمًا ودائمًا ما رأيته في آخر سنين حياته وهو مستلقٍ على فراش المرض، وغير قادر على الكلام بوضوح، يشير بإصبعه لكل ضيف بأخذ الحلويات والمرطبات أثناء زيارته وقبل خروج الضيوف من مجلسه، فلم يمنعه تعبه من الاهتمام وتقدير الناس.

الجانب الاجتماعي

كان من مؤسسي جمعية سيهات للخدمات الاجتماعية، وهي الجمعية الأولى على مستوى المملكة، كان مع جيله من المؤسسين من رواد العمل الخيري المؤسسي، والذين بفضل جهودهم نملك هذا اليوم صرحًا خيريًّا يجب الحفاظ عليه وتطويره وتهيئته لخدمة الجيل الحالي والقادم أيضا.

قوة الشخصية وتحمل المسؤولية

عهدته منذ طفولتي ذو كاريزما وقوة في الشخصية، وأناقة في المظهر، يقول كلمته ولا تأخذه في الله لومة لائم، سواء كان في المطالبة لتحسين الخدمات المدنية لمدينته سيهات بشكل عام أوالحي الذي سكنه بالتحديد ”مدينة العمال“ سابقا وحي ”النور“ حاليا، كانت قضايا مجتمعه تأخذ حيّزا من تفكيره وهمّه، وكان من أوائل المطالبين لتأسيس مستشفى في سيهات في الأرض المقابلة لمركز شرطة سيهات «والتي تأسس فيها حاليا مركز صحي»، ومتابع بحرص شديد لتحسين الخدمات في مدينته بشكل عام ودائما ما يُسخِّر خبرته في البناء والمقاولات العامة لمتابعة تنفيذ المشاريع البلدية، وأذكر مشاهدتي له عدة مرات مُقدمًا الماء وبعض الطعام للعمال الذي يعملون على صيانة الشوارع قرب منزله.

إتقان وحب العمل

عمل المرحوم في شركة أرامكو سنوات طويلة وتميّز في عمله، قبل أن يستقيل للتوجه للعمل الحر في مجال مواد البناء والمقاولات العامة وغيرها، عُرف عنه حُبّه لعمله وإتقانه له سواء في أرامكو أم في عمله الخاص، دائما ما يُحب إتمام العمل بجودة عالية وعلى أكمل وجه.

النظام والأناقة

حبه للعمل المتقن والمنظم انعكس أيضا على أدقّ وأصغر الأمور في تفاصيل حياته، نعرف منذ طفولتنا أن مائدة غداء يوم الخميس لها ترتيبها الخاص، ومجلسه مزدانٌ بلمساته حيث يضع كل قطعة في موضعها مهتما بأدق التفاصيل، وكذلك كان في لبسه وأناقته منذ أيام شبابه. كان يحب الطبيعة ويهتم بالزراعة ويباشر بنفسه الاهتمام بالأشجار، له ذوق جميل ينعكس في اهتمامه بكل ما حوله، كمنزله، وسيارته، ومكان عمله ومدينته.

روحيّته

كان خفيف الظل، يأنس الحضور لحديثه، أذكره حين يروي قصة أو ينقل موقفا عن شخص ما متحدثا بلهجة الشخص المروي عنه، وبكل عفوية، كان مُحبًّا للحياة، مهتما بزوجته، وبناته وابنه وجميع أحفاده وأفراد عائلته، كان عميد العائلة كما وصفه الشاعر الأستاذ عقيل المسكين في قصيدته ”رحل العميد“ حيث وصفه قائلا:

”شيخ القبيلة أم كبير القومِ أم رجل الأيادي أم شبيه الكوكبِ“

رحمك الله يا جدي أبا فؤاد.
























 

دكتوراه الإدارة الهندسية التكنولوجية