تحليل بصري للوحة أبو عبدالله
ضمن المسارات الفنية لطريقته المعرفية التشكيلية أكد الدكتور كميل المصلي رئيس فناني القطيف على تجاوز الماضي والمضي في الحداثة في تشكيل خريطة لعرض إنجازات فناني القطيف بالفحوى والمضمون.
الذي أتاح لكل مشارك وضع عمله بطريقة معينة من حيث الأسلوب والمدرسة.
وسأستعرض بالتحليل البصري من خلال القيم الجمالية والأسس الفنية، لبعض الأعمال 52 فنان التي ضمها المعرض التاسع عشر لفنان القطيف في صالة «علوي الخباز للفنون» حيث كثير من الأعمال تصلح لذلك.
يختزل الفنان مخزون معرفي مع تراكم تاريخي في مذكرات ورؤى بصرية.
وسأبدأ بلوحة الفنان القدير الاستاذ علي أبو عبدالله التي تمكنت من جذب أنظار الجمهور وكثُرت التساؤلات حول المفهوم المعرفي أو المعنى الادبي أو الأسلوب التقني وحتى النفسي.
وقد استفز المشاهدين نوعية الأسلوب الذي اتخذه الفنان علي من حيث الطريقة والاداء، وهنا أعني الاستفزاز الإيجابي وليس السلبي.
- ولأصِل إلى تحليل منطقي شكّلت بعض الأسئلة التي كونتها استفسارات وإشكالات الفنانين والزوار: -
- لماذا استخدم اللون الاسود دون غيره في المساحة البيضاء؟
- لماذا اختار خلفية بيضاء؟
- لماذا اختار التباين في الالوان المحايدة الاسود والابيض؟
- لماذا استخدم الرولة بدل الفرش العريضة؟
- لماذا وضع العمل الأساسي في الأعلى وليس في اي مكان آخر كالوسط او الاسفل؟
- لماذا سمى العمل «بدون عنوان»؟
- هل عمل الفنان عشوائي او انفعالي وما الفرق؟
- هل للفنان خلفية في مثل هذه التجارب او هي المرة الاولى له.
- هل له مبادرات مفاهيمية او تجريدية من قبل؟
- وهناك اسئلة كثيرة سنجيب عن بعضها اثناء التحليل الفني.
الناحية التقنية: -
عند استخدام اداة الرولة بدل الفرشاة العريضة لم يكن من قبيل الصدفة، ولو تمعنا في المقاسات النسبية للحركة الانفعالية للون الاسود لرأينا المسافات في اليمين واليسار والأعلى متساوية تقريبا مما يدلل ان الفنان وإن كان الشعور الباطني أي اللاشعور اشترك في تنفيذ العمل، الا ان الخبرة والمهارات الاكاديمية والقدرة التكنيكية للفنان ادت لذلك، منا يدل على العفوية في العمل وليست العشوائية سائدة.
- ليس من السهل على أي فنان الحصول على ضبط اللون الاسود المعروف لذا استعان بالاحبار لضمان جودة اللون ونقاوته في تجارب سابقة على الورق.
كل ذلك أثبته بعدة تجارب صاغها في أكثر من اسكتش على ورق وكانفاس قبل تنفيد مراحل اللوحة.
وهنا استكمل الإيقاع النوعي بسيلان مجموعة خطوط لها موسيقى يبديها تنوع أطوال الخطوط في استقامة مريحة، مما أضاف القيمة الخطية إلى المساحة، حيث اشتركت الفيزياء واستغل الجاذبية إلى أسفل لتعينه على مقاصده.
الناحية الادبية
دائما ما يُسأل الفنان ماذا يعني العمل؟ وخاصة في منطقتنا حيث الفنون الحديثة والمعاصرة لم تتبلور إلا في حدود نصف قرن تقريبا.
وقد أقمت عدة محاضرات في مدن المنطقة الشرقية كالقطيف ونواحيها والاحساء وتبوك: - وفي تركيا والمغرب ولبنان ومصر حول: - النقد التشكيلي، وقراءة اللوحة، وفهم العمل الفني، ومفهوم الجمال، والرؤية البصرية، وأسرار الألوان والألوان في القرآن…وغيرها، للتواصل مع متتبعي الفنون والتكامل مع الأعمال الفنية ثقافيًا وتجاريًا.
وحضور محبي الفنون في هذه اللقاءات تعزيز لدورهم في فهم الجمال والذائقة البصرية.
قد يكون بعض الفنانين لا يريد أن يتكلم أو يشرح عمله، وإن كان الأفضل أن يرد على الاسئلة الموجهه له على الأقل.
وعلى المشاهد أن يحاول قراءة النص البصري واستنطاق ما يراه من خلال وعيه الفني وثقافته وتتبعه للمعارض والأعمال التشكيلية.
اختار الفنان علي أن يسمي اللوحة «بدون عنوان» وفي الحقيقة وضع اسم للوحة ليترك للمشاهد اختيار عنوان آخر، ليشاركه ما أراده من اختلاق تبادل نوعي ثقافي.
وفي العمل المشار إليه يتعمد الفنان إلى الإيحاء بأن العمل ليس له اسم مع أنه أطلق عليه «بدون عنوان» ولم يطلق عليه بدون اسم كما رأيت لوحة محل تجاري.
هذا وإن كان بدون قصد إلا أنه لا يعفي الفنان منه التلميح لذلك.
ذلك أن الفنان يريد أن تتأمل العمل وتشاركه في اتخاذ إجراءات معرفية ثقافية أو بصرية للتوصل إلى مدارك الفنان لحظة اتخاذ القرار بالقيام بهذا الأسلوب وتوصله إلى هذه النتيجة.
الناحية النفسية
كل فنان أثناء عمله يقوم باستظهار أفكاره من خلال استثارة مشاعره أو مما يؤثر عليه في حياته المستمرة من عواطفه وأحاسيسه التي يتلقاها في مشاهداته اليومية، وهنا تقوى أعماله وتلقى التجاوب.
ويشمل ذلك الشاعر والأديب والممثل والروائي والموسيقي وغيرهم.
سمعت من البعض بأن الفنان علي كان في حالة تعب وإرهاق وعصبية أو تعرض لحالة غير معروفة ففرّغ طاقته النفسية في هذا العمل.
أقول من خلال التحليل التقني والأدبي للوحة أعتقد أن الفنان في غاية الطمأنينة والعمل بارتياح والدليل المسافات والقصد في إرجاء الضربات المتعمدة في المساحة كما اختيار الألوان.
وهناك فرق بين العمل العشوائي: المنتشر بأي تقنية ورمي الألوان كالطش والرش بدون قصد وروية.
أما العمل العفوي: فيعتمد على التكنيك المقصود باستدلالات مخزونة من حيث النسب واستظهار الأسس الفنية من الذاكرة كالوحدة والتوازن وغيرها.