لغتكم متخلفه شوي!!
1 - عندما كنت في مخيم اللاجئين، في «هاربلشتاد» الواقعة في شرقي ألمانيا، وكنت هاربًا من وطني الحبيب: المملكة العربية السعودية، ظانًّا أن هنالك بلدًا آخر يعزني، متوهمًا أن وطني أذلني!! أقمت في ذٰلك المخيم القذر النائي عن مقامات الألمان، تاركًا وظيفتي في سلك التعليم، راغبًا في العيش في ظل الديموقراطية، والعدالة العالمية، محميًّا بحقوق الإنسان التي لا تدافع عنها إلا المنظمة الدولية!!
عشت في ذٰلك المخيم القديم الذي كان مسكنًا للسوفييت، قبل اتحاد ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية، وكان هنالك طالبو لجوء إنساني، وطالبون لجوءًا سياسيًّا، وآخرون رضوا بطلب اللجوء الجنسي.
كان في ذٰلك المخيم القذر المتهالك «المطابق للمواصفات العالمية لمساكن طالبي اللجوءات المتنوعة الخاضع لمراقبة منظمة حقوق الإنسان العالمية التي لا ينصف الإنسان ولا يحرره سواها!!» أفارقة، وألبان، وعراقيون عرب وأكراد، وسوريون في جمهورهم من الكرد، وعربي واحد، وعربية واحدة، ومن البوسنة، ومن بلدان كثيرة.
وكان من طالبي اللجوء من يتاجر بالحشيش، ومن يشرب الخمر، ومن يتجر به، ومن يتاجر بحور عين من الألمانيات اللواتي أدمنَّ الحشيش وغيره من المخدرات مقابل تزويدهن ب «ما يعمر الطاسه»، وكان الجميع يتحدث في حقوق الإنسان، والديموقراطية، وغيرهما من المفردات السياسية التي لا أفهم المراد منها حتى اليوم، ولا أريد أن أفهم منها شيئًا، فدعني - يا رعاك الله! - مع أحبتي: سيبويه والمبرد، والفارسي وابن جني، وغيرهم ممن أستلذ وأستمتع بعباراتهم المعقدة؛ ذٰلك أن لي عقدًا نفسية، كما كانت لهم عقد نفسية!! و”رزگ الهبل على المجانين!!“.
هٰذه هي الديموقراطية؛ وإلا فما الديموكراتية؟!
قال لي جاري السوري العربي يومًا وقد سمع مني كلمة: إنتو لغتكم متخلفه شوي!!
- هيدي حقوق الإنسان اللي شرحتا أبل كم يوم؟!
- حقوق الإنسان شو يا متخلف؟! شوف لك ألمانيه، وسلك معا، وخود عليها لجوء؛ لأنو من حأك تعيش مع إبنك إذا حملت، وبعدين خود الجنسيه ولما تاخدها اصطفل!! بدك تواصل معها، والا بدك تشوف حياتك!!
هٰذه هي الديموكراتيك، وإلا فلا!!
2 - كنت في مركز مرور محافظة القطيف، أنهي معاملة، وأنا أحب اللهجات كلها، عربية وأعجمية وأستمتع بمشاهدة غريندايز باللغة اليابانية، كما أستمتع بمشاهدته باللغة اللبنانية الفصحىٰ!!
قلت لسيدي «شرطي مرور من قبيلة أرقىٰ بكثيييييير من نسبي المجهول!!» ممازحًا: في «نحن» لهجات منها: إحنا، ونِحنا، وحِنَّا، و...
- ولٰكن «حِنَّا» عمتك، ولهجة عمامك!!
- صحيح!! نشوفكم علىٰ خير!!
- هِهْ!!
كان ذٰلك عام 1413 هـ ، قبل أن يفرغ سيدي: حضرة صاحب السمو الملكي.. ولي العهد الأمين: الأمير محمد بن سلمان - أيده الله تعالىٰ! - لمحاسبة كل من يتعالىٰ علىٰ غيره؛ لأسباب قبلية، أو عنصرية، أو مذهبية، أو مناطقية... ومن يشابه أبه، فما ظلم!!
أنا أحب الشجعان؛ لذٰلك أنا أحب هٰذا الفتى الشجاع.
كان جدي اشترىٰ عربة؛ لنتسوق بها، وكنت أصعد عليها أخواتي الصغيرات يومها، وكن يفرحن ويستبشرن، وكأنهن في رحلة على جريندايزر، وكأني دوكفليد، فقلت: يمبىٰ لينا چيس!!
- وييييييييييييييع!!
- ويش صاير؟!
- متخلف!!
- ليش؟!
- لأنك تگول: چيس!!
- عجل ويش اسمه؟! كيس؟!
- لأ!! إسمه: كِئْس!!
الچاف والياء من اللغة المتخلفة، في نظر أختي الصغيرة يومها، ولغتنا متخلفه شوي عند السياسي السوري الكبير، وأما عسكري المرور، فأسأل الله تعالىٰ أن يرحمه، حيًّا وميتًا.
ولأدع الحديث عن بطلاتنا اللاتي يحاكين لميس، وأبطالنا الذين يظنون أنفسهم جودت!!
أقول لمعلمي اللغة العربية - في المدارس والجامعات والحوزات وغيرها -...: ليس هنالك لغة عربية فصحىٰ، ولا لهجة أرقىٰ من لهجة، فلا تربوا نشأنا علىٰ أن كلامهم خارج المدرسة ليس عربيًّا، وأن الكلام العربي الفصيح والأفصح في كتاب القراءة، والمسلسلات التاريخية التي ليس لها من العربية نصيب، ولا في غيرها مما لا يمت للعربية بصلة أو بَصَلَة، من بعيد أو قريب؛ لئلا تصيبوهم بانفصام أو ازدواج في شخصياتهم وعبقرياتهم اللغوية!!
اللغة والعربية شيء آخر قد أكتب عنه، في المستقبل، إن لم «تكرشني» جهينة الأخبارية، بحجة الجنون والعقد النفسانية!!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.