آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 1:35 م

ما دور العاملين الصحيين والقطاعات الصحية في تعزيز الرضاعة الطبيعية؟

في بداية القرن العشرين، بدأ الطب يشهد تطوراً مستمراً في علاج الأمراض، واكتشاف الأدوية الجديدة، وظهور الأدوات الطبية الحديثة، ليطلق على هذه المرحلة من مراحل الطب «الطب الحديث»، والّتي ساهمت في القضاء على العديد من الأمراض التي لم يكن لها علاجات قديماً، وصاحب هذا التطور في الطب التطور في مهنة التمريض والمهارات التي يخدم بها الممارس الصحي من طبيب أو ممرضة الإنسان، وأصبح الطب يعتمد على معطيات يمكن للعامل الصحي قياسها ليتمكن من تحديد مشكلة المريض ويمكنه معالجتها.

وكان لغياب المعلومات الكافية عن تكوين حليب الأم وأهميته للرضيع والأم وفوائده لهما أثر كبير أدى إلى غيابه عن تفكير أكثر الأطباء، لأنه خلال دراسة الطب والتمريض، وحتى في تخصص الأطفال والنساء والولادة، لا يوجد وقت مخصص لدراسة الرضاعة الطبيعية وكيفية التعامل مع المشكلات التي قد تواجه الأم، أو تنشأ عند الطفل أثناء الرضاعة الطبيعية.

ولقد صاحب التطور في الطب انتشار تصنيع الحليب الصناعي وقلة عدد الأطفال الذين يتوفون بسبب سوء استخدامه، كما صاحب ذلك الحملات الإعلانية الكبيرة لشركات الحليب خاصة في المجلات الطبية ووجود مندوبي هذه الشركات في المستشفيات والتنافس القوي بينهم وسعيهم لكسب العاملين في المجال الصحي إلى جانبهم بطرق عديدة مثل إعطاء محاضرات في ظاهرها علمية وفي باطنها دعائية، واصطحاب العاملين الصحيين إلى رحلات علمية لحضور المؤتمرات الطبية المدعومة من قبل هذه الشركات ودعم الأنشطة العلمية والهدايا والتسهيلات للمستشفيات في الحصول على الحليب الصناعي مجانا.

هذا مما جعل الكثير من الأطباء يتوجهون إلى تشجيع إعطاء الحليب الصناعي لأنه إذا تناول الطفل الحليب الصناعي، يمكن للطبيب أن يحسب الكمية التي سيتناولها الطفل، كما يمكنه ذلك من تنظيم مواعيد إعطاء الحليب للطفل مما يسهل عمل الممرضات ويقلل الخطأ، أو التقصير في تغذية الرضع، ويمكن للطبيب وصف أي نوع من الحليب حسب ما وصله من مندوبي شركات الحليب من معلومات علمية في ظاهرها دعائية، وفي حقيقتها حل لأي مشكلة غذائية تواجه الطفل، ولم يصل العلم إلى حلها مثل مغص الأطفال، كما أدى ذلك إلى توجه أغلب الطاقم الطبي لتشجيع الأمهات على إعطاء أطفالهن الحليب الصناعي عند أي مشكلة تواجه الأم أو الطفل مع الرضاعة الطبيعية، لأنهم لا يعرفون كيفية حل هذه المشاكل.

ولكن مع تقدم العلم أكثر، خاصة في اكتشاف بعض المعجزات في مكونات حليب الأم، والتي لا يمكن لشركات الحليب إضافتها لمنتجاتها كالخلايا الجذعية والمناعية والأجسام المضادة والإنزيمات والهرمونات وعوامل النمو وتقليل الحساسية والالتهابات بجميع أنواعها، ومع إثبات الأبحاث العلمية خطورة استخدام الحليب الصناعي، وزيادة نسبة الإصابة بأمراض كثيرة جراء استخدامه مثل أمراض الحساسية والالتهابات والأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب والشرايين والجهاز الهضمي والسرطانات بالإضافة الى ارتفاع نسبة الوفيات عند الأطفال، بدأت الصورة تتضح لكثير من العاملين الصحيين، فعادوا من جديد إلى تشجيع الرضاعة الطبيعية.

ولكن بقيت أمامهم مشكلة الجهل ببعض أسرار الرضاعة الطبيعية، نحو أهمية إعداد الأم للرضاعة الطبيعية منذ حملها، وأهمية ملامسة جلد المولود لجلد أمه، وكيفية المحافظة على إدرار حليب الأم إذا ابتعد الطفل عن أمه، وأضرار استخدام اللهايات، وكيفية التعامل مع المشاكل التي قد تواجه الأم والطفل أثناء الرضاعة، وهذا ما دفع إلى إيجاد شهادة استشاري الرضاعة الطبيعية المعترف بها دوليا عام 1985، كما دفع منظمة الصحة العالمية واليونيسيف إلى تبني مبادرة المستشفى أو المنشأ الصحي صديق الطفل منذ عام 1991م، وتبنى هذه المبادرة على ثلاث ركائز أساسية، وهي الخطوات العشر لدعم الرضاعة الطبيعية والخطوات العشر للمستشفى صديق الطفل، ووجود لجنة خاصة للتعامل مع مرضى الأيدز - مرض نقص المناعة المكتسبة - وذلك لإيصال جميع الاطفال إلى التغذية الأفضل لهم.

وكان آخر تجديد للخطوات العشر لدعم الرضاعة الطبيعية في عام 2018 حيث جاء فيها:

أ - الامتثال التام للقانون الدولي لتسويق بدائل لبن الام وقرارت جمعية الصحة ذات الصلة.1

ب - أن يكون لديها سياسة مكتوبة لتغذية الرضع، يتم توصيلها بشكل روتيني إلى الموظفين والوالدين.

ج - إنشاء نظام مراقبة وإدارة بيانات مستمر

2 - التأكد من أن الموظفين لديهم المعرفة والكفاءة والمهارات الكافية لدعم الرضاعة الطبيعية وتطبيق السياسة.

3 - مناقشة جميع النساء الحوامل وأسرهم حول أهمية الرضاعة الطبيعية والممارسات الداعمة لها.

4 - - تسهيل ملامسة الجلد للجلد بشكل فوري، ودون انقطاع ودعم الأمهات لبدء الرضاعة الطبيعية في أقرب وقت ممكن بعد الولادة.

5 - دعم الأمهات للبدء والاستمرار في الرضاعة الطبيعية والحفاظ عليها وكيفية التغلب على الصعوبات الشائعة حولها.

6 - أن لا يقدم للمواليد حدثيي الولادة أي طعام أو شراب غير لبن الأم، ما لم يتعين ذلك لأسباب طبية.

7 - تمكين الأمهات وأطفالهن الرضع من البقاء معا سويا «ممارسة المساكنة» في نفس الغرفة لمدة 24 ساعة باليوم.

8 - دعم الأمهات للتعرف على علامات استعداد الرضيع للرضاعة والاستجابة لها.

9 - تقديم المشورة للأمهات بشأن استخدام ومخاطر قوارير الرضاعة «الرضاعات» والحلمات واللهايات

10 - - تنسيق الخروج من المستشفى بحيث يتمكن الوالدان وأطفالهم من الوصول في الوقت المناسب إلى الدعم والرعاية المستمرة.

ولقد فعلت ودعمت وزارة الصحة السعودية بكل إمكانياتها هذه المبادرة لعلمها بفوائدها، ولكون الرضاعة الطبيعية إحدى الطرق المهمة لمنع الأمراض قبل حدوثها، وهذا يتماشى ورؤية مملكتنا الحبيبة لعام 2030.

فعلى جميع العاملين الصحيين وخاصة الذين يتعاملون مع الأم والطفل تثقيف أنفسهم عن الرضاعة الطبيعية والتعرف على الداعمين للرضاعة الطبيعية في مناطقهم واللجوء إليهم عند الحاجة، وعدم تصديق كل ما يصلهم من معلومات مقدمة من مندوبي الشركات، بل عليهم البحث العلمي عن معلوماتهم الطبية، وتحري الحذر والحيطة قبل وصف أي حليب صناعي للطفل.

استشارية طب حديثي الولادة والخدج، واستشارية الرضاعة الطبيعية بمستشفى القطيف المركزي