أين تدينكم المزعوم؟
يتصاعد الكبتُ فيزداد الرياء لحماية الذات من نِقمة المُجتمع، وتكثر الاضطرابات النفسية وأشكال الجُنون ويقل التسامُح وتقبُّل الآخر المُختلِف مع انفجار موجات العُنصُرية والسعي لتنميط الأفراد وتحويلهم إلى أجساد بشرية وعقول روبوتية عاجزة عن التفكير الحُر الخلاَّق، فيتحوَّل الدين إلى رمزٍ من الرموز التي يستغلها الضُّعفاء لقهر الأضعف منهم.
إن الدين في حقيقته رمزٌ من رموز الروحانية التي تُعنى بتهذيب مشاعر البشر وأخلاقهم ونوازعهم الغريزية، ليسَ سجنًا ولا جلادًا ولا سيفًا مُسلطًا على أعناق من لا يتفقون معه أو مع بعضه، وإذا كان الخالِق حليمًا صبورًا في رده على تساؤلات البشر وجدلهم العنيد عبر رُسُلِه وأنبيائه رغم إمكانية سحقهم بطرفة عين؛ فلماذا لا يكون الكائن البشري الذي يزعم انتمائه لهذا الدين سالكًا هذا السبيل في تعامله مع البشر بالحكمة والموعظة الحسنة؟!
يزعمون التديُّن وهم يشتمون، يغتابون، ينهبون حقوق الغير، يأكلون مال الضعفاء، يتسببون للآخرين بالعار والخزي والفضيحة، يلوكون سُمعة الغافلون في بيوتهم، يُروعون الآمنين، لا يرحمون صغيرًا ولا يوقرون كبيرًا ولا يرعون حُرمة مريضٍ أو مُعافى، يستهترون بكل مبدأ عظيمٍ، لا يذكرون الشرع إلا إذا وافق مصالحهم الدنيوية الرخيصة الفانية، ثم يتكالبون على من ينسى تأدية بعض الطقوس الدينية الظاهرية التي يستغلونها للرياء دون سواه ليصبّوا عليه جام غضبهم ونقمتهم الناجمة عن تراكم القمع والكبت في أعماقهم من بؤس حياتهم الخاوية من المعنى.
يجدر بالإنسان المُتدين حقًا أن يكون أهلاً لإعمار الأرض بأفكاره وأفعاله، مُتفكرًا مُتدبرًا باحثًا عن الحقيقة في جحور النمل وخلايا النحل ورفيف أجنحة الفراشات المنقوشة بإبداعٍ إلهي عظيم، مُنصِتًا لأشقائه على الأرض من البشر لأنهم شُركائه في الضعف وقلة الحيلة وانعدام سبيل الهرب بحُرية من لُعبة الحياة، ذاكرًا أن كُل شخصٍ يُصادفه كان من الممكن أن يكون هو لو عاش حياته ومر بنفس ظروفه، لكن الرحمة الإلهية هي التي أنقذته من هذا المصير، مُترفعًا عن سفاسف الرُّعاع وصراعاتهم الخسيسة مع من يعرفون ولا يعرفون، أما الظهور بمظاهر الدين التي تراها العين ولا يُبصرها القلب فليسَ سوى رياء، وكذب، وادّعاء، ومجلّبةٌ للبلاء على البلاد والعِباد.