هكذا صنعت السماء نبينا
بسم الله النور.
بسم الله نور النور
بسم الله نور على نور
والحمد لله الذي خلق النور من النور
والصلاة والسلام على مهبط النور النبي المحبور ابي القاسم محمد وعلى اهل بيته انوار الدهور.
لقد اقترنت رسالات السماء في دعوتها بالتبشير بميلاد نور نبينا الاكرم ﷺ، حتى قال تعالى في كتابه ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [1] ، فأظهرت الآية كيف ان مهام بعثة نبي الله عيسى الجوهرية هو التبشير بميلاد هذا النور المبارك، بل ستلحظ في الآية اقترانا شديدا بين دعوته وبين التبشير بالنبي الخاتم ﷺ، فكان ميلاد هذا النور هو ميعاد هذه البشرى العظيمة التي زفتها السماء للبشرية جمعاء عبر رسلها وانبيائها من لدن آدم وحتى نبي الله عيسى .
المتأمل في التاريخ سيجد ان بزوغ شخصية بمواصفات نبينا الاكرم ﷺ في بيئة اجتماعية هي على النقيض تماما مع القيم الذي جسدتها شخصيته وتمظهرت في سيرته هو معجزة الهية بحد ذاتها، اذ هو أشبه مايكون بواحة خضراء وروضة غناء تزينها انواع الزهور واصناق الثمار قد نبتت في صحراء قاحلة وارض سبخة لا ماء فيها ولا غيث.
إن كل منصف يقرأ تاريخ الجزيرة العربية قبل الاسلام ويلمس كيف تطغى على بيئتها القسوة والجهل والعصبية والحروب والسلب والنهب والظلم والمجون سيقف مذهولا امام بروز شخصية كشخصية نبينا الاكرم ﷺ في وسط تلك البيئة التي هي على النقيض تماما مع قيم الرحمة والعفو واللين والسماحة والحلم والحكمة والامانة والصدق والعفة والطهارة التي جسدها نبينا الاكرم ﷺ في كل سيرته، بل سيقر مذعنا بأن وراء بناء هكذا شخصية يد سماوية.
اذا كان كل انسان ابن بيئته في ثقافته وسلوكه إلا أن نبينا الأكرم ﷺ استثناء، إذ أن شخصيته انما صنعتها السماء، أفلم يقلها ربنا تعالى لنبيه موسى ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ [2] ؟! أي اعتنيت بتنشئتك وجعلتك محل رعايتي الخاصة وأعددتك اعدادا خاصا لتحمل رسالتي الى الناس، فكذا نبينا الاكرم ﷺ صنعه الله لنفسه.
هنا ينقدح تساؤل:
كيف رعت السماء تنشئة نبي الاسلام محمد ﷺ وأعدته لحمل الرسالة؟
في الإجابة على هذا التساؤل يمكن الإشارة هنا الى نحوين من الرعاية وهما الرعاية التكوينية والرعاية التسديدية.
وهذا النحوان هما ما قد يفسران تميّز مدرسة أهل البيت عن غيرها من المدارس في نظرتهم للمقامات الشريفة للنبي الاكرم ﷺ وتنزيهه عن اي نقيصه ومثلبة سواء قبل بعثته او بعدها.
1 - الرعاية التكوينية:
ونعني بها رعاية مرحلة تخلّق النبي ﷺ وتقلبه في عالم الاصلاب والارحام.
يتفق التربويون على أن الأبناء تلحق بهم آثار وراثية من آبائهم وأمهاتم سواء خُلقيا او خَلقيا، ولذا ورد عن نبينا الاكرم ﷺ «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس» [3] ، لما للعامل الوراثي من أثر على طباع الانسان وسلوكه فضلا عن تكوينه البدني.
من هنا أولت السماء أهمية لهذا الجانب في بناء شخصية نبينا الاكرم ﷺ فاختارت له آباء وامهات موحدين في رحلة تقلبه من الاصلاب الطاهرة إلى الأرحام المطهرة من لدن آدم - في سلسلة طويلة من الآباء والأمهات - إلى أن ولد من أبويه عبد الله وآمنة عليهما السلام، هذه الحقيقة أكدها النبي بنفسه ﷺ قائلا «لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات حتى أخرجني في عالمكم هذا لم يدنسني بدنس الجاهلية» [4] ، فكانت الرعاية الخاصة تحيطه من السماء وهو يتقلب في تلك الأصلاب والأرحام وبهذا المعنى فُسر قوله تعالى ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ [5] أي تقلبك في أصلاب وأرحام الموحدين الساجدين المطيعين لله تعالى.
2 - الرعاية التسديدية:
ونعني بها الرعاية التهذيبية السلوكية لنبينا الأكرم ﷺ.
للبيئات الاجتماعية تأثيرها البالغ في تكوين شخصية افرادها واكتسابهم عاداتها وثقافتها، من هنا تجد حرص الآباء في متابعة ابنائهم بتهذيبهم وتجنيبهم أي لوثات سلوكية وغيرها قد تأتيهم من المحيط العام والمتنوع.
بيد أن السماء ولحساسية هذه المرحلة في بناء شخصية النبي الخاتم ﷺ لم توكل المهمة للبشر، بل افردت له ملكا خاصا يعنى بتهذيبه وتسديده نحو الفضائل ومكارم الاخلاق منذ نعومة أظافره ﷺ، وبهذا أنبأنا أمير المؤمنين علي في خطبته وهو يصف نبينا ﷺ قائلا «لقد قرن الله به من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم» [6] فكان تأديب وتهذيب نبي الاسلام برعاية إلهية تسديدية خاصة، ومن هنا نفهم قول نبينا الأكرم ﷺ عن نفسه قائلا «أدبني ربي فأحسن تأديبي» [7] .
وقد استفاضت الروايات بهذا المعنى من الرعاية ومنها ماورد عن إمامنا الصادق في تفسيره للروح في قوله تعالى ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [8] ، بأنه «خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممن مضى غير محمد ﷺ وهو مع الأئمة يوفقهم ويسددهم» [9] ، وتضيف هذه الرواية بأن حتى هذا النحو من الرعاية شملت السماء به أهل بيته الأطهار ، ولذا قالوا «نحن صنائع ربنا».
هكذا صنعت السماء نبينا محمد ﷺ، بل وصنعت أهل بيته الأطهار .