الرسول في وجدان الأمة
مع اقتراب ذكرى المولد النبوي الشريف تزهر الدنيا وتعم البهجة والسرور كل أنحاء المعمورة.
اجتمعت العائلة لتستعد لإحياء هذه الذكرى المباركة وقد دار حوار بيننا حول بعض الأمور المتعلقة بشخصية النبي الكريم فسألني أحد أبنائي:
حسنا يا بني دعنا نتناول أحد الكتب التي تحدثت عن النبي ﷺ وسنجد الإجابة على سؤالك:
ولد النبي ﷺ في مكة المكرمة التي كانت محط أنظار الجزيرة العربية والتي أقام فيها النبي إبراهيم الكعبة المشرفةوالتي أمر الله بالحج إليها في هذه الآية:
﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [سورة الحج 27]
وتحققت الإرادة الإلهية على مدى هذه السنوات فكانت مكة مهوى الأفئدة.
اعتبر القرآن الكريم معجزة خالدة لأنه أنزل على النبي وأمته لا تحسن القراءة والكتابة ولكنها امتازت بالشعر والفصاحة فجاء القرآن الكريم بفصاحة وبلاغة تفوق بلاغتها فأعجز القوم وأخرس ألسنتهم وجاء شاملا لكل أمور حياتهم ولم يترك شاردة ولا واردة من أمور الحياة إلا وذكرها وبينها فهو صالح لكل زمان ومكان على الرغم من مرور 1400 سنة على دعوة النبي ﷺ.
نجح النبي ﷺ بضوح الهدف والتسديد الإلهي والغاية النبيلة من الدعوة حيث الرحمة وبينت ذلك الآية الكريمة: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [سورة الأنبياء 107].
والصبر والثبات على الدعوة، حيث تفاوض القوم مع النبي ﷺ محاولين إثناءه عن دعوته وذلك بإعطائه المال أو الزعامة عليهم أو الزواج من أجمل بنت في قريش.
ولكنه خاطبهم قائلا: «والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه، ما تركته».
لم تكن حياة النبي سهلة وممتعة فقد عانى من اليتم والاضطهاد، عندما رفض عبادة الأصنام وازداد عناؤه عندما بدأ الدعوة إلى الدين الإسلامي وتوحيد الخالق عز وجل فقد عامله كفار قريش أسوء معاملة حتى أقرب الناس عمه أبو لهب وامرأته حمالة الحطب حتى نزلت بهم سورة المسد التي وضحت سوء عاقبتهم.
ولم يؤذ النبي في مكة فقط حتى عندما توجه إلى الطائف لاقى الأذى من أهلها حتى الأطفال منهم برمي الحجارة والقاذورات وزاد على ذلك أنه شج رأسه الشريف.
ولم يتوقف الأذى هناك بل اشتد عندما هاجر إلى المدينة المنورة حيث بدأت الحروب عليه كبدر وأحد والأحزاب وفتح حصن خيبر وغيرها.
ولكن النبي وقف صامدا في وجه كل تلك التحديات إلى أن أعز الله دينه بفضل صحبة أبرار أخيار كانوا خير عون له ولاسيما بحماية عمه أبو طالب وناصره ابن عمه علي ابن أبي طالب الذي كان خير ناصر ورفيق ومال سيدتنا خديجة رضوان الله تعالى عليها.
كل ذلك الأذى لم يمنع النبي من الصفح والعفو حينما دخل مكة فاتحا ونادى «اليوم يوم المرحمة».
يابني: نستطيع ذلك عندما نقرأ سيرته ونتمثل صفاته الأخلاقية والتي امتدحها القرآن الكريم بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [سورة القلم 4].
ونسير على هداه في كل صغيرة وكبيرة: كآداب الحديث والنظافة والطهارة وحسن التعامل مع الوالدين والأخوان والجيران وغيرهم والحرص على التعاون والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحب الخير للجميع وغيرها الكثير.
ولكي نحقق ذلك أيضا علينا الإكثار من ذكره والصلاة عليه سواء بالصلاة الواجبة في التشهد أو المستحبة عند ذكره فبالصلاة عليه تنار القلوب والأبصار.
أبي: لقد طلب المدرس مني رسم لوحة عن المسجد النبوي الشريف فهل تساعدني في ذلك؟
نعم، يابني سأريك صورة المسجد النبوي وسنحاول رسمها معا وإن شاء الله نوفق إلى شد الرحال لزيارة النبي وترى المسجد مباشرة وتمتع ناظريك بالقبة الخضراء وزيارة الاماكن التي يقال أن النبي ﷺ صلى بها أو زارها كمسجد القبلتين وقباء الذي هو أول مسجد بني في الإسلام حيث استقبله أهل المدينة فرحين بقدومه المبارك منشدين:
طلع البدر علينا
من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا
ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا
جئت بالأمر المطاع
جئت شرفت المدينة
مرحباً يا خير داع
يابني: لاعجب أن يكون الحديث عن النبي الكريم شيقا فكيف لا وهو عنوان الصدق والأمانة والتفاني والإصرار والثبات والرحمة في إخراج الناس من الظلمات إلى النور.
وفقنا الله وإياكم إلى السير عل على هديه والحشر معه وآله الطيبين الطاهرين.