هل تقضي كورونا على عاداتنا الاجتماعية
سؤال قد نراه في الأيام المقبلة كثير التكرار تزامنا مع تخفيف الإجراءات الاحترازية في المملكة عن الإيجابيات التي جلبها الوضع الاستثنائي الناجم عن انتشار فيروس كورونا وإجراءات الإغلاق التام والجزئي وفرض الحجر الصحي وهل هناك بصيص ضوء يمر من داخل سحابة كورونا السوداء التي تسببت بخسائر اقتصادية وبشرية كثيرة.
يذكرني هذا السؤال بتفاوت نظر الناس للأشياء والأحداث ويعيد للأذهان صورة الكأس الفارغة والممتلئة التي تحضر دائما في التفريق بين المتفائل والمتشائم وبقول إيليا أبو ماضي ”كن جميلا ترى الوجود جميلا“. ولا شك أيضا أن هناك من يستفيد من المصائب التي تنزل بالأرض والناس ومن آلامهم ومآسيهم مصداقا لقول المتنبي: بذا قَضَتِ الأَيّامُ مابَينَ أَهلِها.. مَصائِبُ قَومٍ عِندَ قَومٍ فَوائِدُ
لعل أهم الرابحين من من إجراءات الإغلاق التام في السنة الماضية كانت البيئة بسبب انخفاض ثاني أكسيد الكربون في الجو عالميا. على الصعيد الاجتماعي ساهمت الإجراءات الاحترازية في تخفيف أعباء الزواج وتقليل تكاليفه، كما خفضت من تكاليف السفر الترفيهي، والتي ربما تبددت نفقاته على استهلاك المواد الغذائية والسلع والشراء عبر الإنترنت. أما على الصعيد الأسري فقد زادت مدة التلاقي بين أفراد العائلة الواحدة ومدة الجلوس مع الأولاد والاستفادة من برامج تطوير الذات والقراءة، وإعادة شيئا من الاهتمام ببرامج التكافل الاجتماعي لمن فقدوا وظائفهم وأعمالهم.
على الصعيد الوقائي والصحي تغير المشهد تماما فغسل اليدين بات أمرا مألوفا ومتكررا مع كل دخول وخروج، ومع كل ملامسة الأشياء القادمة من الخارج. الامتناع عن مخالطة الآخرين أو المشاركة في الصلوات في المساجد وحضور البرامج الاجتماعية عند الإحساس بأعراض المرض، مما ساهم في تقليل انتشار الأمراض الموسمية وهو ما أشادت به مختلف الصحف محليا ودوليا ”أما المفاجأة اليوم فكانت في كثير من البلدان بانخفاض أعداد الإصابات بالإنفلونزا الموسمية.“ وكذلك انخفضت حوادث السيارات والمخالفات بسبب زيادة مدة المكث في البيوت، وما تبعها من تقليل الضغوط النفسية التي تسببها الشوراع المزدحمة وبيئات العمل الخانقة.
أما في ما يخص استخدام الإنترنت والتفاعل الإلكتروني فقد برز جليا حجم التقدم في استخدام برامج التعليم عن بعد والتعليم الذاتي وأدوات التواصل الاجتماعي واستخدام الإنترنت عند الأطفال وطلاب المدارس وأسرهم والموظفين.
المهم في كل ما ورد أعلاه هو الاستفادة من الإيجابيات الاجتماعية والوقائية والاستمرار في العمل بها، فاختفاء كورونا من الحياة ليس مبررا للعودة للعادات غير النافعة والمكلفة نفسيا وصحيا واجتماعيا وربما اقتصاديا. مع ضرورة التأكيد على أهمية العودة للعادات الجميلة والقيمة التي كنا نعمل بها قبل كورونا وانقطعت بسببها.