ماذا.. لو عاد النبي بيننا
ونحن على أعتاب ذكرى المولد النبوي الشريف تبادر سؤال افتراضي لذهني عن أول عمل سيقوم به النبي الأعظم لوعاد للحياة بيننا ورأى من أفعالنا ما يرى؟. بداهة لن يكون هناك دعوة جديدة للإيمان بالله والرسول والمعاد فكلنا يِؤمن بها. لذا لو عاد النبي لبدأ بتقريب المسافات وردم الفجوات بيننا، وإزالة التنافر والتشاحن بين الناس كما فعل بين الأوس والخزرج، والأنصار والمهاجرين، ولبقى حريصا على استمرار اللحمة بيننا حارسا لها، مشفقا أن يسب بعضنا البعض ويقتل بعضنا الآخر، لأن ما تهدمه الفرقة والتباغض والقطيعة أكثر مما يهدمه غيره، فهي تعلي من كعب المساوئ بين الناس وتمحو محاسنهم وجميل أفعالهم. وتتحول مع مرور الأيام لعصبية لا يؤمن شرها ومكرها ”ليس من العصبية أن يحب المرء قومه ولكن العصبية أن ترى شرار قومك خيراً من خيار قوم آخرين.“
ولعلمنا أن الائتلاف لا يعني وحدة الرأي والفكر وتطابق الصورة بل هي في سعة الصدر، والتعاون في بناء الخير وصلاح الإنساني، وسلامة النفس من الميل والشعور بالكراهية تجاه الآخرين، وأن تقارب الأفكار، والوصول لجيد الرأي والصواب إنما يكون بمقارعة الدليل بالدليل والحجة بأختها، والدعوة اللينة الحسنة.
لو عاد النبي لأعاد للأخلاق سلطانها وبريقها وعاد يعلمنا حسن الحديث، وفن التعامل، والتودد للناس والانبساط لهم وجميل الصبر وتحمل الجهل والأذى واحترام الحقوق ورعايتها. لو عاد لعاد قاموس الأخلاق والفضيلة الذي استبدل بقاموس الحداثة ومفاهيم النخب ومصطلحات الأشياء. ولرأيته ينادي من فوق جبل أبو قبيس ”أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله التودد للناس“ ويتلو في مجالسنا من فيض الوحي ﴿ولا يجرمنَكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾ ولمشى بين المشرق والمغرب وهو يقول ”إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا“ ويذكر أن العنف والنيل من الناس ليس من الإسلام في شيء، فعودوا إلى ربكم عسى أن يرحمكم.
لهذا من المهم في ذكرى المولد النبوي الشريف والاحتفال به أن نتذكر سيرته وهديه الذي أراد منا اتباعه، وأن لا تغيب سيرته ومواقفه الأخلاقية التي شكلت انعطافة في تاريخ البشرية وتحولا في رفعة الإنسان وتعليمه وبناءه الحضاري ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ .