الأفضال
قال تعالى:
﴿وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾، لا الناهية في هذه الآية الكريمة تنهى عن نسيان المعروف بين الأقارب والأرحام وبين جميع الناس على اختلاف طبقاتهم وفئاتهم.
وعندما يحدث خلاف بين إثنين فيتخاصمان، أو يحصل بينهما نزاع، سواءً كان صغيرًا أو كبيرًا فليتذكر كلاهما الأفضال التي كانت بينهما، ويتذكر صنائع المعروف التي أسداها له خصمه من قبل الخصومة لطرف في يومٍ من أيام الصداقة والألفة.
وليحفظ كلا الطرفين في ذاكرته ذالك الودّ والجميل الذي قدّم له ولا يَنْسَ له جميل فعله. وبذلك يسترجع الذكريات الجميلة معه.
وكلّ الأمور الرائعة من الفضائل الجميلة التي لا زالت عالقة في ذاكرته فيشتاق إلى الرجوع لها وإعادة العلاقة من جديد.
فصنائع المعروف لا تنسى أبدًا، إذ تظلّ عالقة في القلب والوجدان لا يمحوها تقادم الأيام مهما طالت وبعد الزمن.
ما ينكر المعروف والفضل إلّا جاحد قليل الأصل وضعيف الذمة وفاقد للضمير، فمهما قدّمت له من معروف وإحسان وأجزلت له العطاء والفضائل يظلّ ناكرًا للمعروف وجاحدًا للنعمة التي في يده ويحاول بشتى الطرق تجاهلها وعدم الاعتراف بها أو حتى تقديم كلمة شكر لمن أحسن إليه.
وتبقى صنائع المعروف محفورة في الذاكرة وإن نسيها البعض من الجاحدين والأنانين وقساة القلوب، لكنها تظلّ باقية عند ربّ العالمين لا تنسى أبدًا فهو الذي لا تغيب عنه صغيرة ولا كبيرة حتى وإن كانت مثقال حبّة من خردل ينميها حتى تكبر ويضاعف الحسنة بعشر أمثالها ويدّخرها إلى يوم القيامة ليرفع الدرجات في ميزان الأعمال.
وفي الأثر ”صنائعُ المعروفِ تقي مصارعَ السوءِ والآفاتِ والهلكاتِ، وأهلُ المعروفِ في الدنيا همْ أهلُ المعروفِ في الآخرةِ“
فالاحتفاظ بالجميل بهاء وعزّة للنفس وكرامة للجميع، فتبقى ذخرًا وتاجًا على الرؤوس.
وما أصدق ما قاله شاعر العلماء وعالم الشعراء الإمام الشافعي:
لا تَقْطَعَنَّ يَدَ الْمَعْرُوْفِ عَنْ أَحَدٍ
إِنْ كُنْتَ تَقْدِرُ فَالأَيَّامُ تَارَاتُ
وَاشْكُرْ صَنِيْعَةَ فَضْلِ اللهِ إِذْ جُعِلَتْ
إِلَيْكَ لَا لَكَ عِنْدَ النَّاسِ حَاجَاتُ
قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَمَا مَاتَتْ فَضَائِلُهُمْ
وَعَاشَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أَمْوَاتُ