نحو استراتيجية واحات خضراء وإعادة ما دمرناه من البيئة
مُحَافَظَة القَطِيف هي مُحَافَظَة سُعودية تَقَع فِي المَنطِقَة الشَّرقِيَّة عَلَى الضَّفة الغَربِيَّة مِن الخَلِيج العَرَبِي. وَهِيَ وَاحَة سَاحِلِيَّة عَرِيقَة غَنِيَّة بِالنَّفطِ والتُّمُورِ والفَوَاكِه والأسمَاك، كَانَت مَعرُوفَة بِتِجَارَة الّلُؤلُؤ واستِخرَاجِه وتعتبر واحة القطيف من أقدم المناطق المأهولة في الخليج العربي، ويرجع تاريخها إلى الألفية الخامسة قبل الميلاد. نشأت على صعيدها حضارات وتعاقبت عليها دول، وشهدت أرضها الكثير من الأمم والأجناس. وتمتلك القطيف تربةً خصبةً للزراعة. بلغ عدد سكان القطيف أكثر من نصف مليون نسمة حسب إحصائية 2017 م وكانت غابات النخيل الكثيف تغطي معظم مناطق القطيف وكانت هذه الواحة الخضراء تشبه غابات الأمازون لخضرتها وتنوع البيئة الفطرية فيها من الطيور والحيوانات قبل عام 1955م حيث ان الاحصائيات تفيد ان هناك اكثر من 2 مليون نخلة من النخيل الباسقات.
والقطيف هو اسم الواحة وهو أيضاً اسم مدينة ”القطيف“ حيث كانت عاصمة الواحة سابقا، وحاليا هو اسم المحافظة. وترجع تسمية القطيف لعملية قطف الثمار لكون الواحة غنية منذ القدم بشتى أنواع الثمار، ويُرجح أن هذا الاسم محرف من ”Cateus“ وهي الترجمة التي ذكرها مؤرخو اليونان للاسم القديم لهذه المنطقة والتي ربما تشير الاسم ”الخُط“ الذي اشتهرت به هذه المنطقة الساحلية منذ القدم ويقال إنها اسم قلعة بناها أردشير بن بابك «226 - 241م» مؤسس الدولة الساسانية ويعتقد أيضا أنه مشتق من لفظة ”كتني“ «katti» وهي قبيلة سكنت المنطقة قديما وذكرها الجغرافيون الإغريق. كما ترجع تسمية جزيرة تاروت إلى عشتاروت آلهة الحب والحرب لدى البابليين. وهناك أيضاً أماكن أخرى في الواحة ترجع تسمياتها لأصول تاريخية قديمة كسيهات ودارين وسنابس والتوبي والخويلدية والقديح. وتاريخياً تمثل واحة القطيف أحد الأركان الثلاثة لإقليم البحرين الذي يضم - بالإضافة إليها - كلاً من واحة الأحساء وجزيرة أوال «التي تمثلها حالياً مملكة البحرين». لقد مرت القطيف بحضارات متعددة ترجع لآلاف السنين قبل الميلاد مثل الكنعانيين والفينيقيين. وشهدت القطيف في العصور القديمة أيضاً حكم البابليين والآشوريين والسومريين والكلدانيين والأكديين والساسانيين والمناذرة. كما شهدت في العصور المتأخرة حكومات متعددة كالأمويين والعباسيين والقرامطة والعصفوريين والعيونيين والبرتغاليين والمشعشعيين الأحوازيين والخوالد والعثمانيين. والقطيف تقع حالياً تحت حكم الدولة السعودية. وأهم القبائل العربية التي استقرت في القطيف: قضاعة - الأزد - إياد - عبد القيس - تميم - بكر بن وائل - تغلب بن وائل - بنو شيبان - بنو سليم - بنو عقيل - بنو خالد.
وبحسب جريدة الرياض «الصادرة يوم الجمعة 16 ذي الحجة 1435 هـ -10 اكتوبر 2014م - العدد 16909» تكبد القطاع الزراعي في محافظة القطيف خلال 4 عقود الماضية خسائر وصفت ب ”الفادحة جدا“، وشددوا لـ ”الرياض“ في مهرجان النخلة المقام حاليا في محافظة القطيف على أن الواحة الزراعية بالقطيف تخسر كل عام 400 مليون ريال مقارنة بما كانت تنتجه قبل 4 عقود، مؤكدين أنها كانت تمثل نحو 25% من مجموع ثروة الوطن من النخيل، إذ بلغت عام 1964 مليون و250 ألف، وبلغ إنتاجها 40 ألف طن.
وازداد عدد النخيل ودخله الاقتصادي عام 1984، إذ بلغ عددها المسجل مليون و500 ألف نخلة، تنتج 48 ألف طن، فيما تقلصت أعداد النخيل ومُني القطاع بخسائر فادحة منذ ذلك الحين، إذ انخفض معدل تواجد النخيل لأدنى مستوى حاليا، إذ يبلغ العدد الحالي نحو 250 ألف نخلة مسجلة، تنتج 8000 طن فقط، وأبان الاقتصاديون بأن خسائر النخيل المستمرة تقدر بنحو 84% من أصل مجموع النخيل في المحافظة التي لم يبق من نخيلها حاليا، إلا نحو 16,6% من الأشجار.
وأشار المختص بشؤون النخيل مؤيد القريش إلى أن إنتاج محافظة القطيف من التمر حاليا يبلغ 8000 طن، وأن هذا القطاع يستثمر فيه نحو 250 ألف منتج، ما يعني انحسارا كبيرا في القطاع الزراعي الذي كانت القطيف تعتمد عليه فيما مضى كمنطقة زراعية، وأضاف: ”إن معدل إنتاج التمور قبل نحو 3 عقود كان يبلغ 48 ألف طن، ويفترض أنه كان يغذي نحو 5000 أسرة، ويخلق نحو 5000 وظيفة، فيما تشير الإحصاءات الاقتصادية إلى أن الخسارة السنوية الناجمة عن فقدان ثروة التمر تبلغ في المحافظة نحو 400 مليون ريال“، مشيرا إلى أن هناك نحو 5 أطنان لم يتم تسجيلها في الرصد وتعود لمزارعين، ما يعني أن التقدير الحقيقي يبلغ نحو 13 ألف طن حاليا.
فيما عزا المهتم بالجوانب الاقتصادية للنخلة مالك السعيد الأسباب التي أدت لتراجع المنتج الزراعي الأبرز إلى تقلص المياه في المحافظة التي فقدت ثروتها المائية، ممثلة في العيون الطبيعية، فيما تغذي العيون الصناعية حاليا ما تبقى من رقعة زراعية، وتحول المناطق الزراعية إلى مخططات، وتحول اعتماد العائلات بالمنطقة من الزراعة إلى العمل في الشركات، مثل الجانب النفطي، وذلك لغياب التجهيزات الاقتصادية للقطاع الاقتصادي الكبير في الجانب الزراعي وقال: ”لم يتم معالجة هذه المسألة بطرق اقتصادية حديثة، ولم تبتكر وسائل لتصدير المنتجات الخاصة بالنخلة التي تعد الأسهل حاليا، كما كانت الحال عليه سابقا، إذ كانت التمور تصدر بكثافة للهند“.
وأضاف السعيد: ”إن النخلة لا تحتاج، إلا لمياه قليلة جدا، ولا تحتاج لتسميد كثيف، وهي شجرة قوية ومناسبة للبيئة المحلية“، مشددا على أن الوضع الحالي يمكن من افتتاح رجال الأعمال لمصنع تمور مهمته الاعتماد على المنتجات التي توفرها النخلة التي تبلغ نحو 50 منتجا، مثل التمر، الحبال، السعف، الجذوع، الرطب، الدبس وتشعبه في منتجات كثيرة داعيا وزارة الزراعة للعمل الجاد في إعادة إحياء مزارع النخيل للمزارعين.
وبذلك كان علينا لزاما تذكير وزارة الزراعة القيام بمسؤولياتها بإحياء مزارع النخيل وبروح العصر الحديث وهذا ما يتوافق مع الرؤية 2030 التي تبنتها القيادة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده حفظهما الله وهناك بعض المقترحات لا للحصر ولكن لبيان أهميتها وعلى سبيل المثال التالي:
1. استحداث مناطق لزراعة النخيل في مناطق صحراوية جديدة وبأساليب علمية الحديثة ومن الري واستخدام الآلات الزراعية المناسبة
2. إعادة المساحات الخضراء أضعاف ما قمنا بتدميره خلال الخمسة عقود الماضية
3. زرع ما يقل عن مليوني نخلة او اكثر وشجرة محلية مثمرة على شكل مزارع نموذجية حديثة
4. جلب أنواع مختلفة من النخيل المثمر ذو جودة عالية من البلاد المجاورة والعربية «العراق، مصر والمغرب العربي» وتوطينه محليا
5. انشاء مزارع متخصصة مثلا مزارع الليمون، المانجو، التوت، الكنار، الكعك، البوبي، الرمان، البمبر، العنب وغيرها من الأشجار المحلية التي كانت مزارعنا تكتظ بها
6. إعادة زرع بعض أنواع النخيل الشبه منقرضة وإعادة تأهيلها
7. الاستفادة من تجارب الآخرين في هذا الجانب كمشروع صحراء مهافي في جنوب شرق ولاية كاليفورنيا والذي ينتج الآن أفضل أنواع التمور ويصدرها الى كافة الولايات المتحدة وبعض دول العالم ومنها الخليجية
8. إنشاء مراكز زراعية بحثية تهتم بإعادة استنساخ وتحسين بعض الأنواع والاستفادة منها اقتصاديا
9. إنشاء مصانع للتمور والاستفادة منها كمصدر اقتصادي
10. انشاء مصانع مصاحبة لمنتجات التمور كمصانع الحلويات والبسكويتات وغيرها وإطلاق العنان لإبداعات شبابنا في هذا المضمار
11. إعادة التوازن المناخي والمساعدة في تلطيف المناخ وزيادة فرص نزول الأمطار
12. خلق مدن ريفية نموذجية جديدة تعتمد على الزراعة تتوفر فيها كل وسائل الراحة وتكون هذه المدن للمزارعين دون غيرهم
13. جعل هذه المناطق ملاذ للزائرين والسياح من كافة مناطق المملكة والخليج وغيره.
أتمنى ترى هذه المقترحات أهمية لدى المسؤولين لنرتقي بهذا الوطن المصاف الدول المتقدمة وتحوله الى بلد منتج في كافة المجالات وحفظ الله هذا البلد اّمنا مطمئنا.