آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

صمت الأيام في جزيرة تاروت

عباس سالم

عندما تفكر بالمرور على جزيرة تاروت ثاني أكبر جزيرة واقعة على الخليج العربي بعد جزيرة البحرين، حيث يأخذك الخيال في جمال شواطئها التي تربطها البيوت القديمة وتجعلك تفكر في زيارتها مرات ومرات.

طقوس الغوص تراها على سواحلها وأنت تنظر إلى تلك السفن الجاثمة فوق شطآنها، فيهيم فكرك إلى الماضي الذي يذكرك بالبحارة والنهامة ونواخدت الغوص من رجالات جزيرة تاروت الذين كانوا يعملون فوق أسطحها التي غيرت ملامح وجوههم حرارة الشمس وملوحة مياه البحر إلى السمرة.

شواطئ الخيال تأخذك إلى المنطقة القديمة ”الديرة“ فيبهرك جمال الفن المعماري في بيوتها الجميلة بأقواس مداخلها المائلة، وجمال نقش زغارف شرفاتها التي تسمح بمرور أشعة الشمس إلى داخل بيوتها، حيث القيم العائلية المحافظة على التراث والمحبة والنخوة، والناس فيها يتقاسمون الأحزان والأفراح معًا.

في الماضي تجد الأبواب مفتحة بين أزقة ”الديرة“ تجمع الناس فيها حبات من الرطب أو التمر مع القهوة العربية الأصيلة التي تشتاق إليها وأنت تسمع طقطقة الفناجيل بين يدي صبابها، لكنها اليوم للأسف تغير حالها حيث ترى العزلة والوحدة في بيوتها التي غيرت ألوان جدرانها هجرة الساكنين فيها، منازل مهجورة هدَّها الهجران وقسوة الزمن لكنها لم تتبعثر أوراقها كاملة.

بين أزقة الديرة ترى الأبواب مفتوحة مرحبة بالزائرين بالدخول إليها، لكنها خالية من أهلها ولا أحدٍ فيها سوى شبح الماضي الجميل بين أضلاع جدرانها التي تجبر الزائرين بتحريك كاميراتهم لأخذ الصور عليها وتوثيق البيوت المهجورة في المنطقة القديمة ”الديرة“، مشهدية تغرق في السكون والهناء يتخيلها الزايرين كما كانت قبل أن يهجرها أهلها.

في المنطقة القديمة ”الديرة“ كانت الضحكات غير مكتومة والأصوات بين أضلع جدرانها طالعة، الناس داخل بيوتها عايشين ومبسوطين، وتحت ظلال صاباتها كان يجتمع الناس لعب ووناسه وضحكات ولم يبقى منها إلا الذكريات، تغير كل شيء هناك حيث الكثير البيوت التي كانت تحتضنها طيبة أهلها أصبحت مهجورة، وإن جلسات الثرثرة والحكايات التي كانت تدور حول فنجان القهوة قد إنتهت، والثوب القديم الذي ارتدته ”الديرة“ عبر التاريخ قد خلعته بعدما انهارت الكثير من البيوت بسبب الإهمال وهجران ساكنيها لها.

وفي الختام عندما تمر اليوم بين أزقة ”الديرة“ ترى الجدران والأبواب باهتة، وشاهدة لكسر صمت الماضي الذي لم يبقى منه سوى الآهات والحسرات التي أصبحت أكثر قربًا ومخيلة حينما يسترجعها شريط الذكريات.