النفخ في الرماد
الشخصية الأنيقة والجذابة هي تلك التي لها حضور قوي لافت للأنظار والتي تَلْتَفُ لها الرؤوس أينما ولّت وأينما اتجهت، سواءً كان ذلك عند دخولها مجلسًا أو زيارة لها لأحد الندوات أو ربما لحضور مناسبة اجتماعية. هذا بالطبع ليس له علاقة بوسامة الشخصية أو ما ترتديه من هندام فاخر ثمين، بقدر ما هو متعلق بِوجودها ومثولها بكامل كينونتها المؤثرة والمعروفة.
الحضور الذاتي القوي يمنح أصحابه الثقة بالنفس، ما يجعلهم يتحدثون الى الناس بكل سهولة ووضوح. هذا بطبيعته ينعكس على أفعالهم وتصرفاتهم التي هي الاخرى تخرج إلى الملأ بكل أريحية واستحسان. الحضور الشخصي القوي يمنح الفرد وضعًا اجتماعيًا متميزًا ومؤثرًا ومثيرًا لِلإعجاب، إضافة إلى أنه أحد أهم مرتكزات النجاح.
لكن كيف لهذا الفرد أو ذاك أن يتعلموا كيفية عيش اللحظة بحضور تام، وفي نفس الوقت ملاحظة البقية من حولهم، مع ما يحملونه من تقلبات عاطفية..؟ هل بإمكان هذا الشخص أو غيره من الناس البناء على هذه التقلبات النفسية وفي نفس الوقت الحفاظ على شخصية ايجابية قوية متوازنة ومؤثرة..؟ سؤال هو بحد ذاته يحتاج الى حضور ذهني وتواجد مكاني..!
الأفراد ذوي الإرادة القوية لديهم القدرة على السيطرة على أنفسهم في أي موقف يواجههم ودون عناء يذكر. الواثقون بأنفسهم عادة ما يتجاوزون القواعد التي يضعها الأشخاص من حولهم بُغية السيطرة عليهم واحتوائهم. الواثقون لا يرون أنهم في حاجة مستمرة لأخذ الموافقة عندما تستدعي الأمور أخذ قرار أساسي مفصلي، أو عندما يريدون القيام بأي عمل تتوقف عليه مصالح الناس. هؤلاء علمتهم الحياة كيف يتحملون المسؤولية كاملة وما ينتج عنها من آثار، وبروح المُتَفهم والدارس لتفاصيل كل مرحلة من مراحل العمل الذي هو بصدد تبنيه والارتقاء به..؟
إذا ما أردت كسب الآخرين فعليك أن تتعلم كيفية ضبط نفسك وردات أفعالك بعيدًا عن الحماقة التي عادة ما تنتهي بالإنسان إلى الخُسران العظيم. بقاؤك هادئا مُتحكمًا في أعصابك، ما هو إلا دليل آخر على نُضجك وعدم إعطاء الفرصة لذلك الطفل بداخلك أن يقودك الى جعل الآخرين يستصغرون قدرك، بدلًا من أن يُبجّلونه ويُمجّدوه.
إذا كنت تبحث عن المزيد من النجاحات في حياتك الآنية والمستقبلية، أو كان لديك تطلع لبناء علاقات جيدة مع الآخرين..؟ عليك مواجهة عواطفك الجياشة التي تدعوك للتمرد والتعالي على الناس من حولك، والتوقف عن الانتقاص من قِيْمَتهم، وكأنك من خلق آخر، يحمل من الصفات ما لم يحز عليه أحد من قبلك ولا بعدك..! أن تزدهر يعني أن تُضحي بكبريائك وتتواضع.. «الناس خيل وعزة النفس خيال § من لا عسف نفسه يشوف الهزايم.»
الأشخاص الحكماء ذوي الحضور القوي يدركون دائمًا ما يقولون، ولأنهم أبعد من أن يكونوا حمقى، تراهم دوما صريحين مع ذواتهم والآخرين. تجارب الحياة علمت هذه القلة القليلة من الناس أن يحترموا أنفسهم، فلم يزدهم ذلك إلا عزة وتألقًا وقدرةً على تحمل الكثير من شطحات الآخرين الغير مسؤولة، والتعلم منها لمواجهة التقلبات البشرية في مستقبل غامض تتقاذفه الأمواج في بحر لجّيّ محفوف بالمخاطر ودون بحارة مهرة يجيدون التعامل مع هكذا بِحَار.
صراحتك العفوية ووصفك الواضح لمجريات الأمور وبدقة متناهية، تجعل الآخرين في حيرة وصدمة من أمرهم..! فما هو رد محمود درويش وهو الشاعر والكاتب الفلسطيني المعروف.. «لأنك تسامحهم دائمًا لا يشعروا بأخطائهم..! ولأنك تبادر دائمًا ينسوا..! ولأنك مهتمٌ كثيرًا يهملوا. أحيانًا صفاتك الجميلة هي سبب مشاكلك..!» ”هههه“ … كفاك تنظيرًا يا أستاذ درويش فلا يوجد هناك من قارئٍ جيّد يستوعبُ ما تقول ليُعِيرَك انتباهًا خاصًا..! «ولو نارٌ نَفَختَ بها أضاءت … ولكن أنت تنفخُ في رَمادِ».