ما دور الرضاعة الطبيعية في توفير الأجواء النفسية للطفل؟
يخلق الله الإنسان في ظلمات ثلاث، وأول ما يخلق له من حواسه حاسة السمع، فيسمع دقات قلب أمه وصوتها، ثم حاستي الشم والتذوق فيشم رائحة السائل المحيط به، ويألف الجنين مكانه في رحم أمه مطمئنا أن كل ما يحتاجه سيصله بدون ضرر عليه، فيبدأ من حينها الوثوق في أمه والاطمئنان إليها.
وفي اليوم المقدر له الخروج إلى الدنيا، وعندما تبدأ عضلات الرحم بالتقلصات، يبدأ جسمه بإفراز هرمونات الضغط، ليكون مستعدا لمواجهة الحياة الجديدة، فيخرج إلى الدنيا باكيا البكاء المفيد، الذي يفتح رئتيه ليتنفس بهما.
حينها، ينصح الأطباء في جميع أنحاء العالم - كما توصي منظمة الصحة العالمية وجميع جامعات طب الأطفال - بوضع الطفل على بطن أمه، إذا كانت صحته وصحتها تسمحان بذلك، وهذا التصرف يؤدي إلى إفراز هرمون الحب عند الطفل، كما هو عند الأم.
هذا الهرمون يفرز من الفص الخلفي للغدة النخامية، ويصل إلى جميع أنحاء الجسم بما في ذلك المخ والأعصاب والقلب والمعدة والأمعاء، فيحفز ذلك الطفل باعثا فيه الحياة، متجها إلى ثدي امه يرضع منه اللبأ، الذي يشعره بالاطمئنان والارتخاء، فينام بعدها نوما عميقا.
أما هرمون البيتا أندرفين، وهو من المواد المخدرة، التي توجد بكميات عالية في لبأ الأم التي ولدت ولادة طبيعية، بدون مسكنات الألم وخاصة إذا كان طفلها خديجا، فيعتقد العلماء أن له دورا مهما لمواجهة ضغط الولادة، وتحسين عدة وظائف حيوية لدى الطفل حديث الولادة، الذي ينموا بسرعة عالية.
وتستمر رحلة الرضاعة الطبيعية وأثناءها يسمع الطفل صوت أمه ونبضات قلبها، ويتذوق حليبها الحلو، ويشم منها رائحة، هي نفسها رائحة السائل الذي كان يحيط به وهو في رحمها، إذ أن خلايا مونتغومري الموجودة في الثدي تفرز مادة لها نفس الرائحة.
وعلى الرغم من أن حاسة النظر عند الطفل حديث الولادة غير مكتملة، إلا انها تمكنه من رؤية وجه أمه والتواصل معها نظريا، فيرى في نظراتها الحب والاهتمام.
كل هذا يشعر الطفل بالأمان والثقة، فيكبر وهو هاديء قليل البكاء، واثق بما حوله، يعلم تمام العلم أن هناك من يشكل له الحصن الحصين ضد أي مشكلة.
يكبر الطفل ويبدأ في الابتعاد عن أمه ليكتشف العالم من حوله، فتدخل الجراثيم من فمه، مركز الاكتشاف لديه، إلا أن حليب أمه الذي يحتوي على الكثير من الأجسام المضادة والخلايا المدافعة يحميه منها فلا يمرض كثيرا، ولا يشعر بالآلام الشديدة، التي قد تفقده شيئا من الثقة بما حوله.
ويبقى صدر أمه ملجؤه في الملمات، فكلما شعر بالضيق أو الحرج لجأ إلى أمه إلى أن يتمكن مواجهة العالم تدريجيا، فيبني ذلك عنده الثقة بنفسه.
ولقد أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين يرضعون طبيعيا، أكثر هدوءا وأقل بكاء وو أكثر ثقة بأنفسهم وأعظم قدرة على الاعتماد على النفس ومواجهة المشكلات من أولئك الذين يرضعون الحليب الصناعي.
ولعل من عجائب حليب الأم احتواؤه على مادة الكوليسيستوكينين، التي تعطي الشعور بالاسترخاء والشبع والصحة، وهي تمتص من فمه بكميات قليلة خلال دقائق من بدء الرضاعة، وهذا ما يجعل الكثير من الأطفال ينامون مع بدءالرضاعة لمدة خمس إلى عشر دقائق، ولكن نسبتها في الدم تعود للارتفاع بعد ثلاثين إلى ستين دقيقة بعد بدء الرضاعة ارتفاعا أعلى، يؤدي إلى نوم الطفل مدة أطول وويحقق له نوما أعمق، وأكثر فعالية في تحفيز بناء المخ من نوم الطفل الذي يرضع الحليب الصناعي.
فسبحان الله وبحمده، جلت عظمته وحكمته إذ يقول في محكم كتابه «والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة» حيث أثبتت الدراسات أن حاجة الطفل إلى حليب الأم كمصدر للغذاء تقل بعد ان يبدأ في الأكل بعد الشهر السادس من العمر، ولكن حاجته النفسية إلى الرضاعة من ثدي أمه لا تستوفى بشكل كامل إلا اذا أتم الرضاعة عامين كاملين.