أشكال القوى
تأتي المرحلة الجامعية كواحدة من أهم مراحل التطور والنمو لدى الإنسان، هي فترة مُركزّة على التحصيل العلمي العالي والمتخصص، لا ينبغي بالطبع على المرء أن يتوقف بعدها عن التعلم المستمر بشتى وسائله، رغم أن هناك عرف سائد نوعا ما، بأن نهاية المرحلة الجامعية هي انعتاق من رحلة التعلم التي نبدؤها من المرحلة الابتدائية وحتى التخرج، غير أن هذه الفترة ليست إلا الحد الأدنى من التعليم الرسمي في عصرنا الحديث، وإلا فالتعلم يبدأ من طفولة الإنسان حتى آخر أيام حياته.
العلم هو أحد أشكال ومكامن القوة لدى الأفراد، وقوة الأفراد ترفع الأمم، وتكسبها القوة والهيبة، ففي عصر تتضاعف فيه المعرفة بتسارع رهيب، أصبح الحد الأدنى من التعليم الرسمي والتخرج بدرجة البكالريوس أمراً عادياً، لا يميز الفرد، العلم الذي يصنع الفارق هو ذاك العلم المتخصص في مجال دقيق، سواء بدراسة الماجستير والدكتوراه أو بالبحث العميق والقراءة المكثفة، العالِم في هذا الزمن يملك قوة مصدرها العلم، تُميّزه ويُشار له بالبنان بسببها، وذلك لما يقدمه في مجاله للبشرية، إذا فلا مجال للتهاون في جودة التعليم وأخذ كل مرحلة دراسية بمحمل الجد، واعتبارها أساسا فقط نبني عليه ونطور من أنفسنا.
المهارة والقدرة هي ثاني أشكال القوى، وهي لا تقل أهمية عن العلم، فالمهارات، كالكتابة والخطابة هي التي تنشر العلم، والقراءة السريعة تعزز من قدراتنا على طلب العلم، والمهارات التقنية والفنية هي الأخرى تميز الفرد عن غيره، وكذلك الشهادات التخصصية، مهارات التواصل والذكاء الاجتماعي، أو ما يسمى بالمهارات الناعمة، هي أيضا إحدى أبرز المهارات التي تدفع بالإنسان في أي مجال كان فيه، وهي مهمة وضرورية للشكل الثالث من أشكال القوى.
العلاقات العامة هي ثالث أشكال القوى، واقع الحياة يقول أن القدرة والكفاءة لا يكفيان دائما للأسف في وصول الإنسان لمبتغاه، سواء كان وظيفة عادية أو منصب، سواء كان للقمة عيش أو لعمل تطوعي، قدرتك على التعبير عن نفسك والتسويق الذاتي أمر في غاية الأهمية وهو يعتمد على الشكل الثاني من أشكال القوى، لكن العلاقات أيضا لها دور، في بلادنا العربية يسمى «الواسطة»، وفي الغرب يشار له بمصطلح networking بمعنى شبكة العلاقات، قد يختلف مدى استخدام العلاقات وإلى أي مدى يتم التغاضي عن الكفاءة على حساب العلاقة، ولكن الفكرة أن العلاقات الواسعة قد تفتح العديد من أبواب النجاح، وتشير فكرة إحدى الأمثال الأجنبية المشهورة، ”إن تقدمك يرتبط بمن تعرف وليس بما تعرف!“. من جانب آخر، يأتي مصطلح أعلى من العلاقات العامة وهو النفوذ، وهو شكل أكبر من أشكال القوة يمكن الأفراد والمجتمعات من تحقيق الكثير من المكاسب التي قد تستعصي على البعض بسبب محدودية علاقاتهم.
الشكل الرابع من أشكال القوى هي القوة الاقتصادية والمالية، فالقوة الاقتصادية تُمكن الدول من حسم الكثير من القضايا لصالحها، وفرض معادلاتها وهيبتها، كما أن القوة الاقتصادية صمام أمان واستقرار فالشعوب أول ما تبحث، فتبحث عن الأمان ولقمة العيش، الفرد الغني ماديا هو قوي بما يملك من قدرة على تأمين أكثر من مجرد عيشة كريمة لعائلته، بل باستطاعته المساهمة في تقدم مجتمعه في شتى المجالات من خلال دعمه المادي للمبادرات الأهلية والتطوعية وغيرها.