إدارة المخاطر
«الصيادون يعرفون أن البحر خطير والعاصفة رهيبة، لكنهم لم يجدوا هذه الأخطار سبباً كافياً للبقاء على الشاطئ»
فينسنت فان جوخ «1853-1890»
تنشأ المنظمات لغرض ما، ومهما تنوعت أو اختلفت أهداف وجودها، فسواء كانت منظمة ربحية تهدف لتعظيم قيمة ثروة ملاكها ”المساهمين“ أو منظمة غير هادفة للربح مثل الجمعيات الخيرية أو منظمة حكومية تهدف لتقديم خدمات للمجتمع، كل هذه الأهداف والغايات محاطة بحالة عدم اليقين ”عدم التأكد“ الذي يشكل تهديد لهذه المنظمات في قدرتها على تحقيق أهدافها التي أُنشئت من أجلها. وهنا تتجلى أهمية القيادة، فالقيادة تدور حول إحداث الفرق. دور قادة المنظمات هو إحداث التغيير وتطوير المنظمة والارتقاء بها في ظل عالم محفوف بالمخاطر. أصبح فهم وإدارة المخاطر من الأمور الحتمية لقيادة المنظمات الناجحة في عالمنا اليوم.
في عالم غدا كقرية صغيرة حيث لعبت العولمة والبيئة الجيوسياسية دوراً هاماً في طبيعة ممارسة الأعمال وفرضت تحديات وفرص تتجدد باستمرار، ومن هذه التحديات هي وجود المخاطر التي تحيق بالمنظمات في سعيها لتحقيق أهدافها، ومع كل فرص محتملة هناك مخاطر محتملة، ويمكننا أن نقول بأن إدارة الخطر هي علم وفن الاختيار. كل اختيار نقوم به في التعامل مع المخاطر غدا بحد ذاته جزء من عملية صنع القرار.
يعترف قادة الأعمال بالإدارة الفعالة للمخاطر كأحد محركات النجاح الرئيسية للمنظمات، وعلى الرغم من أن مفهوم إدارة مخاطر المؤسسية قد تطور بشكل كبير في السنوات الماضية، إلا أنه في أعقاب الأزمات الاقتصادية، أصبح من الواضح أن بعض تحدياته الحرجة لا تزال بحاجة إلى معالجة مستمرة. نهج إدارة المخاطر المؤسسية الغير فعال قد يتسبب في الفشل في حماية قيمة المنظمة في ظروف السوق المضطربة والمحفوفة بالمخاطر.
أجبرت الظروف الاقتصادية المتغيرة والتقدم التكنولوجي والأسواق الناشئة والتهديدات الجيوسياسية والبيئات التنظيمية المتغيرة المنظمات في مختلف القطاعات على تبني إدارة المخاطر المؤسسية، حيث يمكن أن تساعد في معالجة المخاطر التي تواجهها المنظمات. حيث بدأ في التبلور كنهج يمكن أن يساعد في تقديم قيمة طويلة الأمد وميزة تنافسية واستدامة.
يتطلب الواقع الاقتصادي استعادة ثقة المستثمرين والتدخل من الجهات التنظيمية على واتباع نهج أكثر نشاط وحيوية لإدارة المخاطر. فكل أزمة تثير تساؤلات حول الأداء والمرونة للتغيير من قبل المنظمات، ونتيجة لذلك، يتطلب الأمر أن تبدأ المنظمات في إعادة تقييم ممارساتها الحالية لإدارة المخاطر والتركيز على اعتماد نهج أكثر فعالية تجاه المخاطر.
الخطر لا يشمل فقط الاحتمالية المستقبلية للخسارة، إنما الاحتمالية المستقبلية لعدم استغلال أو تفويت فرصة لتنمية أو تحسين وضع المنظمة، ومن هذا المنطلق فإن المنظمات الأكثر كفاءة في إدارة المخاطر هي المنظمات التي لديها القدرة على استمرارية نجاحها ونموها وتحقيق أهدافها.
يمكننا أن القول بأن إدارة الخطر هي علم وفن الاختيار. كل اختيار نقوم به في التعامل مع المخاطر غدا بحد ذاته جزء من عملية صنع القرار.
يتطلب فهم إدارة المخاطر، فهم مفردات جديدة. على عكس الاستخدام الشائع للمخاطر، تتضمن ”المخاطر“ أكثر من مجرد تهديدات أو ضرر. المخاطر هي الآثار الإيجابية أو السلبية لعدم اليقين أو التقلبات على الأهداف.
إدارة المخاطر هي وسيلة ليست مقصورة فقط على المنظمات «مؤسسات، شركات، هيئات» فقط، ولكنها أيضاً لكل الأنشطة طويلة وقصيرة الأجل، ويجب النظر للفوائد والفرص من إدارة المخاطر في علاقتها بأطراف المصلحة المتأثرون وليس فقط في علاقتها بنشاط المنظمة.
إدارة المخاطر تُمكن أصحاب المصلحة stakeholders الرئيسيين في المنظمة من فهم والاستجابة للمخاطر التي قد تؤثر على أهداف المنظمة ومدى كفاءتها وفاعليتها. إدارة المخاطر توفر المعلومات المتعلقة بنقاط القوة والضعف في المنظمة في إدارتها للمخاطر التي تواجهها، من خلال فهم تأثير المخاطر على المنظمة وفعالية إدارتها، يمكن للمنظمة تعزيز ثقتها في قراراتها الإستراتيجية مع الأخذ بالعلم أن نتائج القرارات المُتخذة يمكن إدارتها في حدود كفاءة capability وقدرة capacity المنظمة.
إدارة المخاطر تقدم إطار عمل للمنظمات في كيفية التعامل والاستجابة لحالات عدم التأكد ”عدم اليقين“ uncertainty. إدارة المخاطر هي وظيفة تضيف قيمة لأنشطة المنظمة من خلال زيادة احتمالية نجاح المنظمة في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، الأمر يتعلق بإدارة حالة عدم التأكد ”عدم اليقين“ uncertainty وخلق بيئة عمل يتم فيها تقليل المفاجآت. ومن هذا المنطلق فإن المنظمات الأكثر كفاءة هي التي لديها القدرة على استمرارية نجاحها ونموها وتحقيق أهدافها.
تلعب إدارة المخاطر دوراً هاماً في المنظمات من خلال أدوراها المتعددة المتمثلة في تحديد وتقييم وإدارة المخاطر التي تتعرض لها المنظمة وهو ما تعارف عليه ب ”إدارة المخاطر المؤسسية“ Enterprise Risk Management ولأجل ذلك تقوم المنظمات بوضع إستراتيجية لإدارة المخاطر. إن إستراتيجية إدارة المخاطر توضح منهجية الإدارة في التعامل مع المخاطر المحتملة في الشركة سواءً كانت من داخل أو من خارج المنظمة.