آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 11:15 م

ماهي ثمرات حياة الحسن المجتبى (ع)؟

زاهر العبدالله *

قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كذلك يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ «103»آل عمران.

هذه الآية المباركة لخصت لنا سيرة الإمام الحسن وما سيأتي من الروايات الأحاديث حيث كثرة الفتن في زمانه عند معسكره وكثرة الهرج والمرج في رعيته وقد رأى بعين الله سبحانه أن بيضة الإسلام تهدد بتفرق هذه الأمة ويخوض الناس في دماء بعضهم دون بصيرة ووعي من أمرهم فرأى أن المخرج الوحيد لهذه الأزمة أن يسير بسيرة جده المصطفى ﷺ في صلح الحديبية وسيرة أبيه أمير المؤمنين حينما قال لما عزموا على بيعة عثمان: «لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري، ووالله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة، التماسا لأجر ذلك وفضله، وزهدا فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه» [1] 

فالمدار كان على الحفاظ على بيضة الإسلام وحقن دماء المؤمنين وحفظ الأعراض فقام يوما خطيباً ليكمل المسيرة المحمدية وليمهّد الطريق لأخيه الإمام الحسين بعد أن بلّغ أقصى درجات الحجة على إيمان الناس واختبارهم بحيث لا عذر لأحد بعد أن يكون الحق كالشمس في رائعة النهار عند ثورة أخيه الحسين حيث وقف وقال: أما بعد فاني والله لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنه وأنا أنصح خلق لله لخلقه، وما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة، ولا مريدا له بسوء ولا غائلة، ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة، ألا وإني ناظر لكم خيرا من نظركم لأنفسكم، فلا تخالفوا أمري، ولا تردوا علي رأيي، غفر الله لي ولكم، وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا.... [2] 

فلو تأملنا خطاب الإمام الحسن الزكي بعين القلب لوجدنا أمورا عقدية في علم الإمامة بالغة الأهمية لا يعرفها إلا من أيقن بمنصب الإمامة التي نص عليها الله سبحانه لهم وخصها بهم وتتركز في قوله : «وأنا أنصح خلق لله لخلقه»، هنا يكشف أنه الوحيد الأعرف بصالح رعيته دون غيره رغم ما يحتمله من سوء الظن به من قراره الذي سيتخذه.

وحين يقول: «ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة» ينبه أنه أعلم منهم بمصلحة الأمة لأنه متصل أمره بالسماء حيث عقب، فقال: ألا وإني ناظر لكم خيرا من نظركم لأنفسكم، فلا تخالفوا أمري، ولا تردوا علي رأيي، غفر الله لي ولكم... أي أنا أنظر بعين الله في أمركم فلا تختاروا ما يضركم..

الحديث له دلالات عميقة في العقيدة ولكن يكفي ما ذكر على سبيل الإشارة..

وهنا نستلهم عدة فوائد مهمة لكل ذي بصيرة في سيرة الإمام الحسن من خلال الآية الكريمة في صدر المقال وما رافقه من أدلة من العترة الطاهرة.

والفوائد هي:

1 - إذا دار الأمر بين الحق الخاص للإمام نفسه مقابل حفظ الكيان الإسلامي سيكون المقدم هو الحفاظ على الكيان الإسلامي ووحدته وقوته والبقاء على جوهره بين الناس. وهذا عينه ما فعله النبي الأعظم محمد ﷺ وأمير المؤمنين وتبعهم المجتبى فآثر الحفاظ على وحدة الأمة وعدم ابتلائها بحروب غير واضحة بشكل جلي في أبصارهم لعظم مكر أعدائه وتلبسهم بالإسلام وشدة خدعهم لضعاف المسلمين وعدم تورعهم عن القتل والهتك وسفك الدماء.

2 - إذا دار الأمر بين أن يحافظ على الخُلّص من حملة الدين والعقيدة وبقائهم ينشرون قيم السماء وتعاليم رسول الله وعترته بين الناس أو أن يضحي بهم في حرب يفقد هؤلاء الحملة المؤتمنين على ضعفاء المسلمين فتقدم حياتهم في سبيل الحفاظ على راية الإسلام خفاقة.

3 - قد لزم الأمر أن يعلن الإمام الحسن المجتبى رأيه الصريح في تقييمه للنظام الذي صالحه لينزع ظلال النفاق والشقاق التي نشرها بين أتباعه ويكشف زيف خططه ضد الإسلام والمسلين فلا يكون لأحد عذر في اتباعه بعد ذلك.

تجد ذلك في خطبه مثل:

حينما قام معاوية خطيباً بين قومه في رواية عن سعيد بن سويد قال: صلى بنا معاوية بالنخيلة الجمعة، فخطب ثم قال: إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك، إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك، وأنتم كارهون.

قال: فكان عبد الرحمن بن شريك إذا حدث بذلك يقول: هذا والله هو التهتك. [3] 

وإذا رأيت كلمات الإمام الحسن الصريحة في تقييم معاوية والمراسلات التي جرت بينهما مثل:

قال معاوية للحسن بن علي : أنا أخير منك يا حسن، قال: وكيف ذاك يا ابن هند قال: لأن الناس قد أجمعوا علي ولم يجمعوا عليك، قال: هيهات هيهات لشر ما علوت يا ابن آكلة الأكباد المجتمعون عليك رجلان بين مطيع ومكره فالطائع لك عاص لله والمكره معذور بكتاب الله وحاش لله أن أقول أنا خير منك فلا خير فيك ولكن الله برأني من الرذائل كما برأك من الفضائل. [4] 

الخلاصة:

إن سيرة الإمام الحسن المجتبى وضعت الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها فعرّف الناس الحق ومن أهله وعرّف الباطل ومن أهله أضف إلى أنها جسدت الفضائل والقيم والأخلاق المحمدية والكرم والسماحة والمحبة في قلوب المؤمنين في شخصية مولانا الزكي كما جسدها مولانا الإمام السجاد حينما قال: أيها الناس أعطينا ستا وفضلنا بسبع: أعطينا العلم، والحلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة، والمحبة في قلوب المؤمنين، وفضلنا بأن منا النبي المختار محمدا، ومنا الصديق، ومنا الطيار، ومنا أسد الله وأسد رسوله، ومنا سبطا هذه الأمة.. [5] 

فالسلام عليك يامولاي وابن مولاي يا أبا محمد الزكي عليك صلوات والله ورحمته وبركاته حين ولدت وحين استشهدت وحين تبعث حيا ورزقنا الله في الدنيا زيارتك وفي الآخرة شفاعتك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

[1]  حياة أمير المؤمنين عن لسانه لمحمد محمديان ج 3 ص 251.
[2]  بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 44 ص 47
[3]  المصدر السابق ج 44 ص 53.
[4]  موسوعة كلمات الإمام الحسن - لجنة الحديث في معهد باقر العلوم ص 160.
[5]  بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 45 ص 138.