ومدينتنا تحلم!
على مدى أيام متتالية كنت أتساءل أن كانت المدن تحلم كما يحلم الإنسان أو أن أحلامها هي نفسها أحلام قاطنيها لأنها هي البشر كما يقول ويليام شكسبير ”ماذا تكون المدينة سوى البشر“ ولان من خلقوا من رحم المدينة يشعرون بها كما يجب ودون أن تتكلم، فالمدينة صبية اعتادت البذخ، لكنها مثل الناس أيضا تتوجع وتتألم وتحلم وتعشق وتنوء "كما ترى عائشة سلطان.
وعند البحث وجدت الكثير عن أحلام المدن في الصحف المحلية والعربية، فهذه عرعر تحلم بفنادق الخمس نجوم وهذه بغداد تحلم بالكهرباء، وجرادة المغربية مدينة الرغيف الأسود تحلم ببديل أبيض، وبوذنيب: المدينة التي تحلم بأن تصبح مدينة، وأريحا تحلم بمستقبل آمن!.. وأخرى تحلم بأبطالها كما تحلم خيبر بعلي بن أبي طالب والقسطنطينية بالفاتح. وقبلهم بقرون وسنوات حدثنا أفلاطون والفارابي عن مدنهم الفاضلة، التي تسير بمعادلة واحدة ونظام واحد كمصفوفة رياضية مستحيلة التحقق ومفتوحة باتجاه اللانهاية. مدينة الحكمة والثابث والصواب الدائم، مدينة مملة لأنها لا تتغير ولا تحزن، ولا تجوع، ولا تخطئ. فاضلة لكنها ليست جميلة! ”مدينة لا ملامح لها مدفونة في ركام من الصمت والتاريخ والفلسفة“ والتي لن يجدها علماء الآثار تحت الرمال ولن يمر بها المسافرون وعابري الطريق ولن تكون على خرائط الشيخ غوغل وأطلس ومعجم البلدان.
كانت القطيف دائمًا بالنسبة لي واحة الإلهام والكهوف العميقة الموغلة في تاريخ البشر والحضارات وبدايات التكوين البشري، فذاكرتها خصبة وممتدة لشواهد لا تزال ماثلة توحي بأنها مدينة مترفة وغنية ومتعلمة ونابضة بالحياة ومعاني الإنسانية الكبرى. تلك هي القطيف مدينة النخل والبحر والتمر والسمك واللوز والليمون. مدينة القلق والولاء، والمتوجسة دوما من طمس هويتها ومعالمها. مدينة تفيض بالتناقضات والتجاذبات ”كساحة حرب باردة، تسخن من حين إلى آخر، بين قيم مُحافظة، وقيم مجتمع جديد قيد التشكيل“ مدينة عظيمة لكنها أقل حظا على مستوى التنمية والتشكل والعمران. مدينة مكتظة بالناس والسيارات ”كجندول التمر“ و”ومسحة الدبس“.
نريد ان نجعلها تحلم كما يفعل الفنان والمعماري العالمي نديم كرم ”في أعمالي، أجعل المدن تحلم“ فبما تحلم هذه الواحة النائمة على شواطئ البحر؟
تحلم بان تتشكل كمنطقة جذب مستمرة، نظرا لما توحيه هذه المدينة إلى الآخر من الصورة التراثية، والبيئة الخضراء المزينة بأنواع الشجر والنخل ومنابع المياه، وزخم الفكر وغزارة العطاء وأن تبقى دائما حاضرة في مخيلة الأفراد؛ سواء على مستوى الوطن، أو على مستوى شعوب دول الإقليم ”دول الخليج تحديدا“ كواحدة من عجائب الدنيا جمالا. تحلم بأن تكون مدينة واسعة قادرة على ضم أبنائها واحتضانهم وحمل أمتعتهم واستيعاب سياراتهم ودوابهم، قادرة على أن تخصص لكلا منهم مكان ومسكن يأوي إليه ويتحصن به عن شدة الحر والبرد. ذات شوارع فسيحة لا تتكدس فيها السيارات ونظيفة ومكسوة بالشجر الأخضر، ولها من مراكز التعلم والجامعات ما يجعلها قادرة على تعليم أبنائها بمختلف العلوم التي تساهم في بناء وتنمية الوطن شرقا وغربا وشمالا وجنوبا. مدينة لا تضيع هويتها ولا تنطمس، فلا تأكل اليابسة البحر ولا يبتلع الحجر رقعتها الزراعية، فتبقى نخلتها واقفة على حافة البحر شاهدا على أنها قادمة من عمق التاريخ وأنها كانت موطنا لعشرات الحضارات.
وأن تختفي مناخاتها الصادمة لمشاعر الكثير، فهي ليست الأولى من مدن العالم في كثافتها السكانية فقبلها القاهرة، والرياض وجدة وسيؤول، وغيرهم من مدن العالم، لكنها أقل مساحة وأصغر حجما إذا ما قورنت بالجميع. فإن لم تكن قادرة على التوسع الأفقي لأن البحر من أمامها والطريق السريع من وراءها فلتتمدد في السماء، فلعل في السماء فسحة لما ضاقت به الأرض.
عناوين بعض الصحف:
- بوذنيب: المدينة التي تحلم بأن تصبح مدينة
- أريحا تعيد تأهيل سوق المدينة.. وتحلم بمستقبل آمن!
- الشمالية تحلم بالنجوم الخمس - أخبار السعودية | صحيفة عكاظ «okaz.com.sa»
- جرادة المغربية.. مدينة الرغيف الأسود تحلم ببديل أبيض