أهداف عاشوراء
من المؤكد أن مدرسة عاشورا، تعتبر من أهم المدارس الإسلامية والإنسانية، التي تقدم لمختلف الأجيال دروس وعبر لبناء حياة نموذجية. صحيح أن مقاومة الظلم والاستبداد قد تؤدي إلى القتل، ولكن حين الحديث عن مالات الحياة. نجد أن دروس عاشوراء تفضي إلى مالات أقرب إلى العدالة والمساواة. لذلك ثمة حاجة دائمة لإحياء عاشوراء وأخذ الدروس والعبر منها.
ونود في هذا الإطار أن نتحدث عن أهداف عاشوراء، فما هي أهداف عاشوراء، وماهي الغايات الكبرى التي سعت ثورة الإمام الحسين لتحقيقها في الواقع الخارجي.
1 - تحرير إرادة الأمة: ثمة عوامل عديدة، تشل إرادة الأمة، وتخرجها من معارك العزة والكرامة. والأمة حين تفقد إرادتها، لا تتمكن من الدفاع عن مقدساتها وأهدافها. لذلك تسعى كل الأنظمة الجائرة والمستبدة، إلى إبقاء إرادة الأمة مشلولة.
لهذا نتمكن من القول: أن الإمام الحسين بثورته ونهضته، أراد تحرير إرادة الأمة جمعا. من كل القيود والمعيقات التب تمنع حركتها وفعالتيها. لذلك فإن الهدف الأسمى بنهضة الإمام الحسين هو تحرير إرادة الأمة ”وعندما يفقد الإنسان بصيرته وإرادته، يفقد كل قدرة للتحرك، ويستسلم للواقع الفاسد، ويتكيف معه، وعند ذلك يستولي الطاغية وفئته على إرادة الأمة ووعيها ومصيرها وحتى على ذوقها وأخلاقها وأعرافها، ويتم مسخ شخصية الأمة بصورة كاملة في كل أبعادها ويتحكم الطاغية في كل شيء من حياة الأمة، ولا تملك الأمة تجاه الطاغية غير الطاعة والإنقياد والاستسلام“ «في رحاب عاشوراء - لمجلد الأول - ص278، محمد مهدي الأصفي».
وتعلمنا تجارب الأمم، على أن الأمة التي تفقد إرادتها، فإنها تفقد القدرة على الصمود والوقوف ضد كل التحديات والمشاكل. لذلك فإن الأنظمة الجائرة، تعمل باستمرار على حبس إرادة الأمة، حتى تتعطل كل إمكاناتها في الدفاع وصناعة المستقبل الذي تنشده.
لذلك فإن الهدف الأعمق للثورة الحسينية، هو تحرير إرادة الأمة وعتقها من كل معيقاتها. وحينما يتمكن النظام الجائر لعوامل عديدة، إلى حبس إرادة الأمة، تحتاج الأمة إلى عمل نوعي قادر على تحريك كل المشاعر، لكي تتجه الأمة لتحرير إرادتها.
لذلك فإن الدماء التس سالت من أهل بيت النبوة، وشكلت لفظاعتها صدمة لعموم الأمة، هي بمثابة الصاعق الذي يستهدف تحرير إرادة الأمة. لذلك بعد معركة عاشوراء، عبرت الأمة عبر ثورات وانتفاضات عديدة عن قدرة الأمة.
روي عن رسول الله ﷺ انه قال: إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا. «ستدرم الوسائل ج2، ص217».
على تحرير إرادتها، والدفاع عن كرامتها ومقدساتها. ولعل أروع تعبير قاله الإمام عن حالة الأمة هو ”سللتم علينا سيفا لنا في ايمانكم“.
" وعندما يفقد الإنسان الوعي، النور، والإرادة، والعزم، والضمير في حياته ينقلب إلى أداة طيعة وسهلة بيد الطاغوت يستخدمه في تحقيق أطماعه بالشكل الذي يريد، ويوجهه إلى ضرب أوليائه بأعدائه، وهذا التحول العجيب في حياة الناس هو الذي حدث في هذه الفترة من التاريخ على يد حكام بني أمية في هذه الأمة وواجهه الحسين ويتحدث عنه بمرارة وألم.
لقد جرى - بالتأكيد - تحول خطير في نفوس هؤلاء الناس، حتى عاد أسفلهم أعلاهم، وأعلاهم أسفلهم، في انتكاسة رهيبة، يقل نظيرها في التاريخ، حتى يخرج ثلاثون ألفا منهم أو أكثر من الكوفة عاصمة أمير المؤمنين لمحاربة سيد شباب أهل الجنة وابن رسول الله ﷺ ونجل أمير المؤمنين ، ولا يخرج مع الحسين لمقاومة يزيد بن معاوية غير بضع وسبعين نفر من أصحابه وأهل بيته. والتفسير الوحيد الذي يستطيع أن يفسر لنا سر هذه الانتكاسة في شخصية الأمة - أو طائفة كبيرة من الأمة على أقل تقدير - يكمن في الجهد الواسع الذي بذله بنو أمية في إرهاب الناس وإفسادهم لغرض الاستيلاء على المسلمين، ومسخ الهوية الإسلامية حتى عادت ضمائرهم وإدراكاتهم وإراداتهم في قبضة بني أمية، يتحكمون فيها بالطريقة التي تعجبهم، وتخدم أهدافهم.
وكان لا بد من هزة قوية عنيفة لضمير الأمة تعيد إليها وعيها، وإرادتها وقيمها، وتشعرها بعمق الكارثة التي حلت بها، وتبعث الندم في نفوسهم، حتى لو لم تكن هذه الهزة تنفع هذا الجيل، فقد كانت تعتبر ضرورة من ضرورات المرحلة لإنقاذ الجيل الذي يأتي من بعد هذا الجيل، لئلا يسري إليه هذا الانحطاط الحضاري الذي لزم هذا الجيل إلى الجيل الذي يلي هذا الجيل.
وقد أحدثت المقاومة المسلحة التي قادها الإمام وتضحيته المأساوية هزة عميقة في وجدان الأمة، وكانت بحكم الصعقة التي تتطلبها ضرورات الساحة السياسية والحالة الاجتماعية للناس يومئذ.
لقد نبهت شهادة الحسين واهل بيته وأصحابه، بالطريقة المفجعة التي تمت بها، ضمائر المسلمين، ومكنتهم من أن يستعيدوا وعيهم وإرادتهم من جديد، فيكفروا ويتوبوا عن تخليهم عن نصرة ابن بنت رسول الله ﷺ.
لقد شعروا «يومئذ» بالكابوس الرهيب الذي كان يلقي بثقله على صدروهم، وقلوبهم، وعقولهم.
فقد هزت تضحية الإمام الحسين ضمائر المسلمين، هزة عنيفة، وأشعرتهم بفداحة الإثم، وضخامة الجريمة، وعمق الردة والانتكاسة في نفوسهم، وحياتهم... فكانت هذه التضحية المأساوية مبدأ ومنطلقا لحركات كثيرة في التاريخ الإسلامي، ومصدرا كبيرا للتحريك في التاريخ الإسلامي.. وهذه هي الغاية الأولى في ثورة الإمام الحسين . " «راجع كتاب في رحاب عاشوراء لمحمد مهدي الأصفي ص 288-290».
2 - سلب الشرعية من النظام: لعلنا لا نضيف جديدا، حين القول: إن الدولة الأموية بأجهزتها المختلفة وشراء ضمائر العديد من العلماء والفقهاء، أعادوا صياغة الإسلام بطريقة تنسجم ومصالح السلطة الأموية. ويبدو أنه أن ثورة الإمام الحسين هي التي حافظت على معاني الإسلام الحقيقية. وبالتالي فإن أحد أهداف الثورة الحسينية سلب الشرعية من السلطة الأموية، التي قدمت الإسلام بطريقة مغايرة لما قدمه رسول الإسلام وأئمته وأهل البيت . ويزيد ليس خليفة المسلمين وإن مبايعته على الضد من مصلحة الإسلام والمسلمين. وقد أعلن الإمام الحسين رأيه بشكل صريح في حكم يزيد بن معاوية ”أيها الأمير أنا أهل البيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب خمر، قاتل النفس، معلن بالفسق. فمثلي لا يبايع مثله“ «مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص184».
كان الإمام الصادق يدعو في سجوده الذي يرويه معاوية بن وهب لزوار قبر جده الحسين ويقول ”اللهم يا من خصنا بالكرامة، اغفر لي ولإخواني وزوار قبر جدي الحسين الذين انفقوا أموالهم واشخصوا ابدانهم رغبة في برنا ورجاء لما عندك في صلتنا“ «اللهوف لابن طاووس - ص116».
قال الإمام الرضا إن يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء فعلى مثل الحسين مثل الحسين فليبك الباكون فإن البكاء يحط الذنوب العظام.. «بحار الأنوار ج44 ص283-284».
روي عن رسول الله ﷺ ”سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العدل وشاب نشأ في عباده الله“ «مجمع البيان ج2 ص385».
وعن رسول الله ﷺ ”ما من شيء أحب إلى الله من شاب تائبا“ «مشكاة الأنوار ص155».