بركة الحسين
انتهى مجلس العزاء لأبي عبد الله الحسين في المأتم، وعادت «أم موسى» لمنزلها بقلب يعصره الألم لمصاب أهل بيت النبوة، واستغلت فترة انشغالها بإكمال أمور المنزل والاستماع إلى إحدى محاضرات مشايخ الدين، وعندما يذكر مصاب الإمام الحسين تجهش بالبكاء، هذا الحزن الدائم الذي أصبح جزءا من كيان كل شيعي، سرعان ما قطعت هذه المشاعر رنة جرس هاتف المنزل لتمسح أم موسى دموعها، وتجيب على الهاتف حيث كانت شقيقتها «أم حسن» المتصلة.
وبعد التحية والسلام، وتبادل أطراف الحديث حول مجرى فعاليات الناس في محرم في ظل جائحة كورونا، بدأت تتحدث أم حسن بتفاخر بقولها «الحمد لله اليوم كان رزقنا من بركات الإمام الحسين كبير، حيث وصلتنا خمس وجبات غذاء متنوعة الطبخات من بركات خمس منازل مختلفة تطبخ في حب الإمام الذي تصلنا بركاته والحمد لله ونحن في منزلنا» وباشرت بذكر أسماء تلك المنازل، وبعدها سألت أختها إذا ما أرادت جزءا من هذه البركة كون ثلاجاتهم فائضة من الأطعمة.
قالت أم موسى «الحمد لله لقد رُزقنا من بركات الإمام الحسين 7 بركات لهذا اليوم» انصرمت أم حسن لأن أختها فاقتها بالبركات رغم سكنهم في نفس القرية فسألتها عن مصدر هذه البركات؟
أجابت أم موسى..
إن أول البركات هي الوصول للمأتم وإقامة العزاء وثاني بركة التوفيق للاستماع لمحاضرتين لمشايخ الدين لموسم عاشوراء وثالث بركة المشاركة في التبرع والتصدق لبعض أصحاب التعفف من المرضى ورابع بركة المساعدة بتنظيف المأتم وترتيبه للمحافظة على نظافته وخامس بركة حصولي على دعوة صادقة من إحدى المؤمنات التي طلبت مني مساعدتها في بعض الأعمال، وسادسها هي مقدرتي على الصلاة ركعتين وزيارة الإمام لي ونيابة عن والدي اللذين تشتاقهم المأتم هذه الأيام بعد أن غيبوا تحت التراب وسابعها أني وعائلتي تناولنا غذاءنا من بركات مأتم الحسين بما يكفينا دون زيادة فلله الحمد عطاء الناس في هذا الجانب كبير ويغطي للجميع.
وأكملت حديثها قائلة: إن ما نتثقف به ونستمده من مجالس الحسين هي البركة الأعظم فهي التي تطورنا وتقوينا وتكسبنا مكارم الأخلاق، فموسم عاشوراء موسم النهضة ووحدة الناس، لنعلم أبناءنا أن يستغلوا هذه الأيام بالاجتهاد لتعلم كل جديد بما يخص أهل بيت النبوة فهذا الموسم الذي تلبس الشوارع والأجساد به لون الحداد هو لإشباع عقولنا بالحكمة والصلاح.
أنهت أم حسن الاتصال بقولها، صحيح ما ذكرتي يا أختي، إن الثورة الحسينية ثورة لتغيير العالم نحو النور والسلام والتعاون وندعو من الله أن يكون أولادنا من السائرين بنهج الدين السليم وأدامك الله لي أختاً محبة وأطال في عمرك.
وأنا أتفق مع أم موسى فالاستماع لجهود المشايخ في موسم الحسين، لهو الكنز لعقولنا، ولا يجب التركيز على البركات المادية، فالبركات الروحية والمعنوية هي أشد عظمة وأهمية، وجاءت محاضرة الشيخ حسن الصفار الأخيرة في يومها العاشر من المحرم متفقه مع هذا الرأي، وعنوانها «الاعتدال الديني واستقرار المجتمع»
يتحدث الشيخ الصفار عن واقع حياتنا اليوم، الذي يركز على جانب الماديات ويصب كل طاقاته لتطويرها، في حين أن الانغماس نحو الماديات يزيد في الانجرار نحوها والبعد عن الأمور الروحية والمعنوية، إذ أصبحت المجتمعات المادية تتحكم بالعالم لأنها ترى بذلك مواطن القوة والسيطرة.
أغلب من زار الدول الأوروبية ينبهر من سرعة العمران، وقوة الآقتصاد، ورفاهية الحياة، والرواتب العالية، وتطور مجالات الخدمات، فالمواصلات متطورة، والأسواق منظمة، والشوارع خضراء مزهرة. فيتمنى لو أن مجتمعه مثل هذا المجتمع.
لكن الواقع والدراسات توضح أن تلك المجتمعات الصاعدة بالتطور هي أكثر المجتمعات التي تعاني خللا خطيرا في داخلها، لإهمالهم الجوانب المعنوية للشعوب، فينشغل الإنسان بالركض خلف الماديات متجاهلا احتياجات نفسه، فتتساقط عليه الأزمات والمشاكل، الإنسان ليس جسما فقط بل يحوي بداخله روحا تمتاز بالتفرد وتحتاج للتقوية والاهتمام كما يحتاج الجسد.
ويستعرض الشيخ بعد ذلك عددا من مظاهر المشاكل التي تعيشها المجتمعات بسبب إهمال الجانب الروحي والنفسي ومنها:
- الانتحار: دول تمتاز بالازدهار والتقدم والتميز، فيها أعلى سبل ومقومات الحياة. كاليابان وأمريكا، يعانون من ظاهرة اجتماعية تزداد سنويا بأرقام مخيفة وهي الانتحار.
- الاكتئاب: تصرف الشعوب في الدول المتقدمة مبالغ كبيرة لعلاج مرض الاكتئاب الذي بات مرض العصر من اتساع دائرته، وكثير من هذه النسبة يميلون للانتحار عند الفشل من تخطي هذه الحالة.
- الإدمان على المخدارت: الإدمان بكل أنواعه منتشر في المجتمعات الغربية، حتى إن بعض الدول فقدت السيطرة على ذلك وأصبح من السهولة الحصول عليها فهي تباع في كل الأماكن.
- التفكك الأسري: هذه الظاهرة التي توجد في أغلب الأسر هناك فكل فرد ينشغل بحياته ويستقل بعيدا عن أسرته، بحثا عن مستقبله، فيفقدون قوة التعاون والتراحم والمحبة الأسرية.
- انتشار العلاقات المحرمة: العلاقات الشاذة والزواج المثلي وتجارة الجنس والكثير من العلاقات المنحرفة تنتشر بشكل مخيف بتلك المجتمعات حتى أصبح من الصعب السيطرة عليها.
يمدح الشيخ الصفار بعد ذلك الدين الإسلامي. الذي يهتم بتعزيز الجانب الروحي والمعنوي صفاً بصف مع الجانب المادي، فالدين يتجه للاعتدال دائما، مؤكدا وجود فئة من المثقفين المتدينين الذين يركزون على ثغرات الدين التي يمارسها الناس، مما يرسم سمعة غير محببة عن الدين في باقي المجتمعات، نحن نحتاج إلى النقد ولا مانع منه لكن ليكن نقدا بناء نافعا وليس نقدا بقصد الاستهانة والتحريض ضد الدين.
التطرف هي الظاهرة التي ركز عليها الشيخ، داعياً لمحاربتها والتخلص منها، فالدين الإسلامي دين يدعو للمحبة والألفة لا للعداء والكراهية، إن التطرف ليس بالشيء الجديد على مجتمعاتنا، فالتاريخ يؤكد بروز المتطرفين من زمن حياة الرسول ﷺ وكذلك في مسيرة أهل البيت، فكانت حركاتهم بالمزايدة بما يروى عن أعمال وأحاديث أهل البيت أثر كبير في الغلو بالدين مما يحرف اتجاه الدين الحقيقي وهو التسهيل فالدين دين يسر لا عسر.
أصبح للأسف مصطلح التطرف مرتبطا بالمجتمعات المتدينة، وهذا نتيجة بعض التجمعات المتعصبة والمتشددة بآرائها ومعتقداتها فسببت حروبا داخلية في مجتمعها وخارجية مع باقي المجتمعات.
هذه الأطراف تشوه مبادئ الدين الحقيقية، فالدين يدعو لاحترام الآراء المختلفة والديانات والمذاهب داعيا للتعامل بالعدل والإحسان للجميع سواء دون استثناء.
لنتأمل في مبادئ الحسين وأهل بيته الذين فدوا بحياتهم وتحملوا المصائب وأذية الظالمين لهم من أجل الدين والحق، ورفضوا ماديات الحياة ورفعوا راية الدين للمحافظة عليه وليصل لنا بمثل هذه القوة، هذه الراية بأيدينا ويجب أن نوصلها لمن بعدنا بقوة أكبر لأن عالم اليوم تعلوه الماديات وتسيطر عليه الفتن، لكن راية الدين ستبقى مرفرفة تهذب أرواحنا وأجسادنا طالما بقيت هذه المجالس والمنابر الحسينية. تصدح بالخير والصلاح بيننا.
بورك جهد الشيخ حسن الصفار وبوركت جهود كل الأصوات التي تجتهد بكل ما تستطيع يوما بعد يوم للرقي بالدين ومفاهيمه، وأنا لأفخر بكل شخص يخصص وقتا من يومه للاستفادة من العلوم التي تطرح في تلك المحاضرات، فأنتم قوة هذا الدين الذي سيبقى عالياً رغم كيد الحاقدين عليه.
يستطيع كل منا أن يقدم بركة الحسين، اليوم وفي كل يوم أفتح الإنترنت هناك مئات المحاضرات الثمينة، فاختر ذات القيمة المؤثرة، وأرسلها إلى جميع من تحب، وأنت بذلك تكون قد ساهمت برفع راية الإسلام عاليا وبذلك تثبت بأعمالك لا بصوتك «لبيك يا حسين».