الإصلاح في نهضة الحسين (ع) ماعلاقتنا به؟
قال تعالى: ﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَْرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها﴾. يعد النبي محمد ﷺ أكبر مصلح في تاريخ البشرية.. كما أن المتتبع جيدا لمسيرة سبطه الإمام الحسين يجد أنه مضى على طريقه.. فمنذ خروجه من مدينة جده المدينة المنورة ومرورا بمكة المكرمة حتى وصوله العراق وأرض كربلاء، وحتى استشهد.. يعلم أن الإمام وضع أهدافا ومباديء واضحة لا تقبل التغيير أو التفاوض أو حتى التنازل عنها وبين الهدف بكل مصداقية وأمانة وهي: «إصلاح الأمة»..
وقال تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّقى وأَصْلَحَ﴾ حيث أوضح الحسين للجميع في خطبة له.. «إني لم أخرج أشرا، ولا بطرا ولا مفسدا، ولا ظالما» وهو بذلك شق لنا طريقا معبدا للسير في هذه الحياة بكل صدق ونزاهة، ومن يخالف تلك المباديء فسوف يخسر ويندم؟ وأكد أن الإصلاح لا يختص بفرد أو بأمة معينة فكثير كان قبله مصلحين كجده وأبيه.. ومن بعده ممن استفادوا من حركته المباركة لأن الإصلاح لايكون إلا على مستوى النفس والفرد والمجتمع..
ثم بين الإمام «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي».. كيف ذلك؟ بينها بكل وضوح حتى لا يلتبس المفهوم على أحد.. أريد ان آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر لأنه وجد في الأمة كثير من المنكرات التي سكت عنها الناس وهي متواصلة وتمثل خطرا محدقا بنا فليس لها إلا الإصلاح والتقويم للطريق الصحيح.. وهاهي نفس الظروف تمر بنا هذه الأيام والتي تتطلب منا وقفة جادة حول كل ماهو سلبي وماهو سيء يحيط بنا ومن كل جانب..
يقول الإمام علي : «لئن أصلح أحب إلي من أن أتصدق».. فالإصلاح في نظر الحسين له معاني كبيرة جدا أكبر من أن تتصورها عقولنا البسيطة ففي المعاني اللغوية: أصل الإصلاح كلمة صلح، وصلاح، وضدهما كلمتي فسد وفساد؟
وإصلاح الشيء بعدما فسد، وحل به الخراب وتعديل ما اعوج منه، وهذا ماقصده الإمام من نهضته المباركة..
ولا يخفى على أحد كمسلمين أن الإصلاح مبدأ ومفهوم «قرآني» سام وعظيم وإن الحسين كثير ماكان يتكلم بمباديء القرآن منذ خروجه.. وما حصل لجميع الأنبياء والمرسلين إنما كان فساد وانحراف منتشر بين الأمم، وجاءت الرسالات لإصلاح ذلك الفساد وتعديل ما اعوج منه رغم أن كل أمة كان فسادها مختلف عن الأمم الأخرى
ولماذا الحسين هو «المصلح»؟ لأن جميع المسلمين يعلم مكانته في الإسلام، وعلاقته بالله تعالى واضحة جلية منذ طفولته؟ كيف لا وهو سليل الأنبياء وكيف ذلك والنبي ﷺ يقول فيه: «حسين مني وأنا من حسين»..وكم أخبر جده النبي، وأبيه علي عن كثير من مزاياه،، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه كل مسلم فكان جديرا بإصلاح الأمة أكثر من غيره باعتباره أميز رجال الإسلام في وقته..
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له شروطه التي بالطبع لن يخطئها مثل من قال فيه النبي وفي أخيه الحسن أنهما: «إمامان قاما أو قعدا» وأنهما.. «سيدا شباب أهل الجنة» فهو العليم الخبير بهما ولذلك تصدى للإصلاح بكل شجاعة وصلابة دون خوف أو تردد وقال كلمته الخالدة مدى الدهر: «هيهات منا الذلة» فساهم في إصلاح الأمة، وحقق أهدافه بدمائه الطاهرة الزكية هو وأهل بيته وأصحابه الإمام
يقول الإمام الصادق : «الكلام ثلاثة صدق وكذب وإصلاح» والرسالة لنا بكل وضوح والسؤال يتردد داخلنا كم هو حجم الإصلاح في نفوسنا، وفي مجتمعنا، وفي أمتنا، فكثير من قضايا الاختلاف لدينا لاتجد لها عين ترف أو لسان يلهج بل يلتزم الغالبية العظمى الصمت دون أدنى شعور بالمسؤولية فهل مسؤلية المسلم الصمت، وترك الأمور وعدم التدخل فيها، وعدم حلها.
إذاً علينا أن ننهج هذا «النهج الرباني» الحسيني وهو السعي للإصلاح في كل شؤون حياتنا قدر مانستطيع، وينبغي أن يكون كل واحد فينا «مصلح» وإن لا نقبل المنكرات ولو كلفنا ذلك الكثير.
وصدق الشاعر حين قال في الحسين:
ورأيتك النفس الكبيرة لم تكن.
حتى على من قاتلوا حقودا
فعلمت أنك نائلا ماتبتغي..
حتى وإن يك شلوك المقصودا.
والسلام خير ختام