رفضت أن تكون سجينة الرفوف
وسط الرفض للطموح تتصارع الأبجديات التي تعبر عنها وعن طموحها أمام كل نجاح يقابل بموجه من التحبيط، تثبت إنها قادرة على مواجهة كل التحديات، عندها فرضت طموحها على قوة عقلها الباطن، الذي أثار فيها طاقة التحدي، وهي تتجول في مكتبتها وقع نظرها على كتاب يحمل عنوان ”اكتشف وبرمج عقلك الباطن“ تلك القوة التي تكمن فيها التيارات الروحية فلا سلطة لأحد عليها، مطلقة بالا قيود، والتي تمدنا بالقوة والفاعلية، لتفتح أمامنا نوافذ البصيرة والارتقاء والتحليق للأعلى، سُلم الصعود يوجد داخل نفق من نور العلم والمعرفة والبحث الفضولي عن مكنونات النفيس من ينابع الحكمة، ”من أخلص العبادة لله أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه“.
وضعت قدمها على درجات سُلم المعرفة، لتبدأ رحلة البحث؛ كي تصل لقمة الجيل، ارتدت كنزتها الصوفية ووضعت حقيبتها القماشية المفضلة لديها على كتفها، حاملةً قلمًا وبعض القراطيس بين يدها، وفي رحلة صعودها اهتز السُلم لكونه معلقًا فزلت قدمها فارتبكت قليلاً فسقط القلم والقرطاس من بين يدها، حاولت النزول بسبب هيبة الموقف والعلو، لكن صوت داخلي وهو الإدراك فهي لا تتعامل مع حواسها المادية وإنما طاقتها الروحية تأمرها بالصعود ومواصلة الرحلة والبحث عن حروفها الذاتية لتكتب سيرتها الذاتية بحروف من نور فهي جزء من ذلك النور والتي ستجعلها خالدة في ذاكرة الحياة، وليست سجينة في صفحات الكتب المعلقة على ارفف المكتبات، أخذها السُلم إلى نهاية النفق حيث النور والفضاء، الشمس والقمر والنجوم، كويكبات الحروف تسبح في الفضاء في مجموعات بعضها قريبة من القمر وبعضها مرتبطة بالشمس بخيوط شعاعية، اقتربت من القمر،
فلتقطت الحروف المضيئة والمتطايرة، استلت خيطًا من كنزتها الصوفية لعمل قلادة من منظومة حروفها القمرية المتزاحمة حول قمرها المكتمل لتقبل شفاة كرمزية تقطر خمرةً في كأس الهوى معاني لعشق جنوني خصّب ألفاظه يراعًا يتدفق ينابيع عذبة تسقي الوله والشوق ليحتضن ليلة قمرية صاغتها كلمات تمخضت في الوجدان وولدت من رحم معاناة.
انحسر المد الليلي وانجلى الظلام ببزوغ الشمس استفاقت بعد انحناء بسيط وغفوة في حضن السماء، رفعت طرفها نحو طاقة النور عاينت حروفها الشمسية المتدلية بخيوط شعاع الشمس، مدت يدها لاقتطافها حرفًا حرفُا، قوة الجاذبية التي تتمسك بها الحروف بالشمس قوية تفوق قوتها الجسمية، أخذت في المحاولة لاقتطاف الحروف المضيئة لكن ضيائها المشع حال بينها لقوته أدمع عيونها لتنهمر من نمير صافي رقراق، تناثرت تلك الدموع على طول أسيلها، اخجلت حروفها الشمسية، التي أخذت في الوميض، أخرجت منديل أبيض مطرزة حوافه بأزهار المرغريتا اللؤلؤية في وسطه قلب أحمر يحاط بأجنحة حمامة بيضاء من حقيبتها الكتانية، مسحت به دموعها، تبسمت لحروفها ابتسامة تغنج، حاولت الوصول والامساك، لكن يدها أخذت في الرجفة وكأنها مصاب بمرض ”باركنسون“ الذي جعل من أصابع يدها ترتعش، حركتها بطئة لا تستطيع القبض على الأشياء، انتابتها حالة من الانقباض والانبساط، أنامل يدها تحاول مقاومة الانقباض الذي حول الإرادة إلى تردد وخوف، والانبساط ماهو إلا حركات رشيقة مغرية تتراقص على نغمات اهتزاز نوته مسيقية، تحاول لمسها للشعور بالأمان، اقتربت من حروفها المتدلية كأنها عناقيد عنب حان قِطافها أحست بحرارة بعضها كأنه جمرة حارقة تتوهج لهيبًا وبريقًا، وبعضها باردًا كقطع الثلج في قدحٍ من عصير العنب الأحمر، ارتشفته في مفردات تهدئ نشوة العشق ولهيب الشوق، حروف أُخرى وجدتها في غاية البساطة طبيعية ترابية، نسجت غزلها بخيوط الشمس الذهبية قصة حلم إنسان عاش على الأرض يحلم بالتحليق في الفضاء الواسع ألا محدود، حيث لا فوارق والا عنصرية ولا فواصل ولاحدود، ترابي، رشاقة وخفة كغيمات عطشى للمطر، تلك الحروف بطبيعتها الهوائية، نفس عميق تنفسته يملأ رئتيها للتمكن من إلقاء جملها التعبيرية وسرد أحاديث المساء من روايتها ”سجينة صمت“ من غير أن يضيق نفسها أو تحس بالبشرقة فجأة، امتلأت حقيبتها بالحروف، عادت من رحلتها بعد اكتمال منظومة أبجدياتها التائهة للتسطر مخطوطتها الحُلم من خلال سلوكياتها على صفحات حياتها وترجمة يراعها إلى تعاملات وأفعال تبني حصونًا وقلاعًا صامدة، تبقى معالم خالدة في إنسان ”الفطرة“
لا بيوت واهنة تسفي عليها السوافي، أو من رمال تهدمها الأمواج.