جماليَّات اللغة في أغنية ”غن“ لـ ”فؤاد عبدالواحد“
من الصعب أن يختلف مُستمِعين اثنين على السحر الكامن في صوت المُطرب العربي فؤاد عبدالواحد، ويكفيه أنه ورِث الموهبة عن أرضٍ يكاد يولد أطفالها بحناجر تختار الغناء عن البُكاءِ بديلاً، لكن ما يُضفي على تلك الموهبة ميزة فوق سحرها هو فِطنة مالكها وإبداعه المُتميز في انتقاء الكلمات التي تُعانق حروفها حباله الصوتية قبل أن تخرج إلى مسامِع المُنصِتين في حُلّةٍ جديدةٍ أكثر جاذبية، ولعل أغنية ”غن“ من أكثرها لفتًا لاهتمام الذائقة الأدبية لما تضمنته من صور شعرية راقية وخيالٍ رفيع المُستوى وحكاية تكاد تعزف على أوتار هموم كل مُبدعٍ وفنان.
تحكي القصيدة الغنائية الوجدانية التي كتب كلماتها الشاعر فهد عافت حكاية مُبدع تدفعه لحظة إحباطٍ لاتخاذ قرار اعتزال إبداعه، فتتم مُطالبته بالعودة إلى هذا الإبداع «ورغم أن الصنعة الإبداعية هُنا هي الغناء في حال المُغني ”فؤاد عبدالواحد“، أو الشعر في حال كاتب الكلمات ”فهد عافت“، إلا أن تلك المشاعِر يُمكن إسقاطها على كل صنعة إبداعية باعتبارها ”غناء الروح“ لمُبدعها»، فيُعلن عندها عن أسباب إحباطه وهجره هذا الفن بمشاعر شفافة وصور بلاغية مؤثرة تبدأ من ضياع عمره في دروب هذا الفن دون جدوى بقوله: ”فن! ضاع العُمر مني في دروبه“، ثم يُكمل مُفصحًا عن خيبات أمله في هذا الفن الذي خذلهُ أمام همومه ولم يستُر أحزانه عن الشامتين والمُرجفين في استعارة بلاغية مُجسدًا هذا الفن بصورة صديقٍ غير مُخلِص بقوله: ”لا كشف هَمّي ولا هُو اللي ستر دمعي بثوبه“، وهنا طباق إيجابٍ بلاغي بين كلمتي ”كشف“ و”ستَر“ المُتضادتين في المعنى، لكن جاءتا في جُملتين تدعمان فكرة الشاعر ذاتها، مع استعارتين مكنيتين مؤثرتين في ”كشف همّي“ و”ستر دمعي بثوبه“.
تسترسل كلمات الأغنية في الإفصاح عن حكاية المُبدع الذي كانت له أحلام وتطلعات بالمُستقبل شاءت الأقدار الوقوف بوجهها لتجعلهُ يتوق للماضي وتطوِّقه ذاكرته بالحنين في قوله: ”ما نسيت العمر ذاكر كل نبض وكل همس/ كنت أمس احلَم في باكر ليت باكر كان أمس“، وهنا لا نغفل عن المُحسنات البديعية اللغوية كالطباق بين كلمتي ”باكر“ و”أمس“، والجِناس الناقص بين كلمتي ”همس“ و”أمس“، حتى نصِل إلى واحدة من أروع الصور البلاغية في قوله: ”يوم افتّح ما أشوف إلا الأمل غمَّض عيونه“، إذ ما أن فتح المُبدع فتح عينيه من أحلامه على أرض واقعه ليًصدم بإعراض الأمل عنه أو وفاة هذا الأمل، هنا تجسيدٌ للأمل وإلباسه صفة من صفات الكائن البشري الذي يموت ويحيا وله عينين، مع وضوح الطباق بين كلمتي ”أفتّح“ و”غمَّض“.
أخيرًا يتجلَّى وعي قائل الكلمات بنظرته الشاعرية الخيالية للأشياء والأحداث من حوله، وكيف تبلَّدت تلك النظرة بعد يأسه وتحوَّله إلى شخصٍ عادي غير عابئ بما يعبأ به المُبدعون من خيالٍ وصور شعرية ومُسميات جمالية بديعية في قوله: ”كنت اسمّي الضّي باسمه/ والجفا نغمة نشاز/ صرت اسمّي الشي باسمه/ لا خيال ولا مَجَاز“، وهنا يبدو لنا جناسًا ناقصًا بين ”الضي“ و”الشي“ وبين ”نشاز“ و”مجاز“.
استطاعت موسيقى الموسيقار ”د. طلال“ إسباغ طابع من الفخامة على الأغنية بصُحبة الكلمات والصوت، أما الفيديو كليب الذي أخرجه الفنان ”ياسر الياسري“ للأغنية من إنتاج شركة روتانا فقد كان مُتميزًا بقصة شريكة الحياة المُحِبّة التي تُشجع شريك حياتها الفنان وتدعمه معنويًا ونفسيًا في تناغم واضح، وهو دورٌ أجادت المُمثلة البحرينية ”شيلاء سبت“ تأديته، بينما أدت المقاطع الغنائية على لسانها المُغنية ”ليالي“.