علي.. مُلكاً لكل الإنسانية
لم يكن الإمام علي مُلكاً لقومية وديانة دون أخرى، ولا لزمان دون آخر، إنه إرث إنساني عظيم للعالم أجمع. كان نهجه الإيمان المطلق بكرامة الإنسان وحقه المقدس في الحياة مصداقاً لقوله تعالى ﴿ولقد كرمنا بني آدم..﴾ «الإسراء -70». كما كان المنطلق عنده إنه يريد للإنسان أن يكون حراً، ففي حريته تتحقق إنسانيته وتصان كرامته.
هذه النزعة العلوية القرآنية جعلت من فكره ونهجه مشروعاً إنسانياً ملهماً لكل إنسان على مر الأزمان، وخارطة طريق للنهوض بالإنسانية المعذبة تلوذ به على مر العصور، وتعلق عليه آمالها وأحلامها رغم هذا الشعور الخانق بالوحشة والاغتراب في هذا العالم المضطرب، والمترع بالنزاعات والحروب والتمزقات الاجتماعية والسياسية والفكرية، فعلي كان النهج وكان الفكر الذي جسد كل منظومة القيم والمبادئ السامية التي ترتكز على كرامة وإنسانية الإنسان، فكانت مواقفه العظيمة بمثابة الدروس التي تُلهم الإنسان وتحيله إلى هويته الإنسانية أولاً، تلك الهوية التي يولد بها الإنسان على فطرته الأولى التي تجمعه مع أُخوة الدين وأُخوة الطين، كما ورد في عهده لمالك الأشر ”الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق“
هكذا أعاد الإمام للإنسان هويته الوجودية الحقيقية، ورسم للإنسانية منهجاً روحياً واجتماعياً وفكرياً فريداً قل نظيره، وجعله يرتكز على العدالة الإنسانية، والمواطنة المتساوية، والمساواة أمام القانون، وطبقها في أروع صورها ومصاديقها عندما كان يساوي بينه وبين خادمه، بل كان يؤثره على نفسه في الملبس والمأكل، كما ارتكز منهجه على حفظ حرية الرأي والمعارضة البناءة الهادفة، التي لا ترفع السلاح، ولا تتخذ من العنف وسيلة لتمزيق المجتمع. كما كان كهفاً لكل المحرومين وملاذاً للمعذبين والمقهورين والمظلومين.
إن مبادئ الإمام وتعاليمه التي اختطها وسار عليها طوال حياته ستبقى منهجاً ودستوراً خالداً للمجتمع الإنساني ولحركة الواقع، للسير نحو المستقبل الأفضل ونحو حياة حرة كريمة.
وسيبقى علي وفضاءه الإنساني الأرحب سفراً يضيء للبشرية طريقها ويُبدد ليلها الحالك، وسيبقى تراثه الخالد مُلكاً للإنسانية كلها تسترشد به على مَر العصور.