المجتمع بين رحمة الجهل والتجاهل
عندما يفقد المجتمع أحد أبنائه ويُعْزَى ذلك الفقد إلى قضاء الله وقدره فإن الناس لا يمتلكون رَدّ القدر فَيحمدوا الله على ما أصابهم ويسألونه أن يتغمّد فقيدهم بواسع رحمته. لكن عندما تكون الخسارة هي نتيجة جهل أو تجاهل في التعامل مع وباء لا يرحم كهذا الفيروس الجاثم على صدور الناس، فهذا يدعو عقلاء القوم أن يتوقفوا ويتشاوروا للوصول إلى إجماع يضع حدًا للمتسببين الغير مكترثين وإقناعهم بالرجوع إلى عقولهم وأخذ اللقاحات التي وفرتها الجهات المسؤولة، علاوة على اتباع أقصى درجات الاحتراز الصحي اللازمة والملزمة والتباعد القسري مع عدو خفي يفتك بالناس ليل نهار وبلا هوادة.
جميعنا مُتنبهون الى أن المزيد من عدم الاكتراث واللامبالاة من قبل مجموعة من الناس الغير مسؤولة سَيُصَعّد من خطورة الوضع وتردّيه. فمن باب التنبيه والتحذير، بات على المجتمع أن يستعد لفقد المزيد من الأرواح البريئة إذا لم تتعاون هذه الفئة من الناس وترجع إلى رشدها.
عندما تشاهد نسبة كبيرة من الأفراد يرتدون أقنعتهم بشكل غير صحيح. بمعنى أنهم يعلقونها تحت أنوفهم أو يضعونها تحت ذقونهم، فإننا ندرك بأن لبس الكمام بهذه الطريقة الاستفزازية هو مدعاة للسخرية، هذا أولًا. لأن هذا التصرف ينبئ الآخرين بأن القائم بالعمل لا يكترث بالناس ولا بخطورة هذا الوباء..! وثانيا الجهل بخطورة هذه المرحلة مع وباء يتحوّر الى سلالات هي أكثر تدميرا من سابقاتها، بعد تمكن هذا الفيروس من التخفي دون أن تتمكن الفحوصات المخبرية من رصده وهذا ما يجعله أكثر ضراوة وفتكًا بمُصابيه.
نعم الأمر مُرهقٌ فعلًا ومثيرٌ للشفقة. عندما تبذل الجهات الصحية كل ما لديها وتستنفر طواقمها لمحاصرة هذا الفيروس، ويُسَخّر الكُتّاب أقلامهم لتوعية الناس، وينتهي فصل الخطاب لتشهد أن من بَيننا أفراد يتجاهلون كل ذلك ويواجهونه بتصرفات أقل ما يمكن وصفها بأنها أعمال تنم عن جهل بما قد يصل اليه الحال من فقدان الأحبة بالجُمْلة. فهل يا ترى سيستمر هؤلاء الناس في نهجهم الخاطئ ودون أن يرف لهم جفن، أو أنهم هذه المرة سَتأخذهم الرأفة بأنفسهم وأبنائهم وبناتهم من أهل بلدهم ووطنهم الأم..؟
نحن لا يمكننا الذهاب أبعد مما وصل إليه الحال إلا مع أناس يمتلكون حسًا واعيًا ومنطقًا حكيمًا وإرادةً صلبة قادرة على التغيير. الأزمة الصحية الناتجة عن فيروس كورونا تجعلنا نعيد التفكير في صياغة قِيَمنا وإدارة حياتنا بشكل مختلف لنتمكن من مواجهة تحديات هذا الفيروس والخروج منتصرين. نحن لا يمكننا استنساخ نمط الحياة الذي تعودنا عليه سنين طويلة قبل أن يُفاجئنا هذا الوباء الخبيث ويفرض علينا أجندته القاسية.
اليوم الناس سواسية أمام هذه الجائحة فلا كثرة المال ولا الجاه يمكن أن تستثني أحدًا ليخرج سالمًا معافى بعد أن يتغلغل هذا الداء في جوفه ويتمكن منه لا سمح الله. هناك خياران لا ثالث لهما إمّا الخنوع الى عاداتك القديمة والتمسك بها، كحضورك أماكن الأفراح والعزاء والتجمع في الديوانيات والاستراحات، على أن تتقبل اصابتك بالفيروس وتستسلم له ليأخذ ما يأخذ. أو أن تكتفي بالتواصل مع أحبتك ومن يُعزون عليك عبر وسائل التواصل الإجتماعي الكثيرة والتباعد أكثر ما أمكن عن التجمعات حتى تحافظ على نفسك وأرواح الآخرين.
الناس عليها أن تقدر خطورة الموقف وتبني قرارتها دون تدخل لعَاطفة هنا أو رغبة هناك. المنطق يدعوك الى استخدام العقل لتصنع قرارًا يَحُدُ من عدم وصول هذا الداء إلى مرحلة من الخطورة يصعب عندها وضع حد لانتشَاره وإيقافه. علينا الاستفادة من تجارب الأمم السابقة مع العديد من الأوبئة التي خلّفت الملايين من الموتى. المحافظة على أرواحنا والآخرين بات أمرًا جَلَلًا لا يحتمل التهاون والتراخي.