الحلم الصيني.. كيف تحقق؟
لا جدال في أن الصين الشعبية، باتت الدولة الأكثر قدرة على التنافس اقتصادياً مع القوة العظمى «الولايات المتحدة الأمريكية»، مع أنها لم تتجه بشكل جدي وحثيث نحو الإصلاح الاقتصادي، والتنمية الاجتماعية، إلا بالعقود الأخيرة. لقد سبقت الصين دول أوروبا الغربية في النمو الاقتصادي بعقود طويلة. وحتى ألمانيا واليابان، اللتين هزمتا في الحرب العالمية الثانية، نهضتا بسرعة، وباتتا قوتين اقتصاديتين عالميتين يحسب لهما حسابهما، لكن الصين سبقت جميع هذه الدول في مجال الصناعة الموجهة إلى الخارج.
إن الحديث عن الصين، في هذه المرحلة من تاريخ العرب، له أهمية قصوى، كونه يفتح بوابات الأمل، لصناعة تجارب مماثلة للتجربة الصينية... تجربة تنطلق من قراءة دقيقة للواقع العربي، واستيعاب ممكناته وقدراته على النهوض.
التجربة الصينية - كما هو معظم التجارب - لها فرادتها وخصوصيتها، وعبقرية هذه التجربة، تكمن في أن الأسواق العالمية قد تكونت، وأن توازن القوة الاقتصادية، قد جرى إقراره، وفقاً لمجريات القسمة، بعد الحرب العالمية الثانية. وكان نصيب الصين من تلك القسمة ضئيلاً، على الرغم من ثقلها البشري، وموقعها الاستراتيجي.
التحدي الكبير، الذي واجهته الصين، وهي تتجه نحو الدخول في الأسواق العالمية، هو أن اقتصادها، يتنافس مع اقتصادات كبرى، اكتسبت بالعلم وسياسة الإكراه والهيمنة، مواقع راسخة في الدول النامية. كانت أسواقها شبه مغلقة، أمام صناعات بلدان العالم الثالث. لم تكن المهمة يسيرة بالنسبة للصين، كي تكتسح ليس فقط ساحات البلدان النامية؛ بل وأسواق الدول الصناعية، وبالذات في عقر دار الولايات المتحدة الأمريكية، التي بلغت صادرات الصين لها ما يقرب من الخمسة وعشرين في المئة من مجمل صادراتها للخارج.
هذا الحديث يستوحي عنوانه من كتب ثلاثة حملت عنوان الحلم الصيني. الأول، لمفكر في الحزب الشيوعي الصيني «تشننغ بي جيان»، والكتاب الآخر، لنائب الرئيس السابق للمدرسة الحزبية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني «لي جون رو». أما الكتاب الثالث، فهو من تأليف تشوتيان يونغ، الباحث في الاقتصاد الصيني.
تناول المفكرون الصينيون الثلاثة، موضوع الحلم الصيني، من زوايا مختلفة. فركز الأخير، على هذا الحلم داخل المجتمع الصيني ذاته، من حيث توفير التعليم والسكن والصحة والعيش الكريم للمواطن الصيني، ونقله إلى حال يتماهى مع القوة الاقتصادية التي بلغتها الصين، وبما يتطلب العمل باستمرار على تضييق الفجوة بين الغنى والفقر.
في حين تحدث المفكران الآخران، عن وحدة الأوضاع الداخلية والخارجية، مع تركيز نظري واضح في كتاب لين جون رو. لكن الكاتبان يريان أن سر قوة النموذج الصيني، تكمن في تمسكه، بالسير على نهج التنمية السلمية، في استهداف حلم التحديث الذي راود الأمة الصينية لحقب طويلة.
في يقيني أن التوجه الاقتصادي الصيني، هو الذي حكم السياسة الخارجية الصينية، وليس العكس. فبخلاف التنمية التي جرت في الاتحاد السوفييتي، في الفترة الستالينية، والتي ركزت على الصناعة الثقيلة، باعتبارها أم الصناعات الأخرى، ركزت الصين في ثورتها الصناعية المعاصرة، على الصناعات الاستهلاكية، والهدف منذ البداية كان موجهاً للخارج، باعتماد المحاكاة ودراسة متطلبات الأسواق العالمية المستهدفة، ومراكمة الثروة، تمهيداً للولوج إلى مرحلة أعلى.
اعتمدت الحقبة السوفييتية، على الصناعة الثقيلة، كالحديث والصلب، الموجهة نحو الداخل. وقد فرض ذلك، إضافة إلى أسباب أخرى، سياسة الستار الحديدي؛ حيث تم عزل البلاد لأكثر من عقدين عن الخارج. وتسببت تلك السياسة، إضافة إلى الحرب العالمية الثانية، في مجاعات، وفي تأجيل حلم الناس العاديين في العيش الكريم. وقد تم نقد تلك السياسات من داخل الحزب، بعد رحيل ستالين، لكن العطب الكبير الذي ألحقته على المجتمع ظل ماثلاً لفترة طويلة، وربما لا تزال آثاره باقية ومؤثرة في النمو الروسي، حتى يومنا هذا.
بمعنى آخر، أن السياسات الاقتصادية في كلا البلدين، روسيا والصين، هي التي وجهت السياسة الخارجية للبلدين؛ بحيث كانت انغلاقاً في الاتحاد السوفييتي، وانفتاحاً بالصين.
ما يهمنا في هذه القراءة، هو الحلم العربي، الذي ظل مؤجلاً لأكثر من قرن. وإذا كان من نتيجة إيجابية نستخلصها من هذه القراءة، فهي أن العرب لن يكونوا قادرين على تحقيق تنمية اقتصادية بأبعاد كبرى، لها ممكنات التنافس مع الاقتصادات العالمية، إلا بتحقيق التكامل الاقتصادي، واعتبار هذا التكامل هو البوصلة التي تحكم السياسات البينية العربية، وفصل الاقتصاد عن السياسة، وبالتالي علاقة العرب بدول العالم الأخرى، بما يكفل الحرية والاستقلال والنماء والرخاء لهذا الجيل وللأجيال العربية القادمة.