البشاشة مفتاح القلوب
البشاشة والابتسامة، وطلاقة الوجه، وحسن البشر، وروعة الاستهلال، وحفاوة الترحيب، والتي تظهر من خلال ملامح الوجه وجمال الابساط والتحبب والحفاوة عند اللقاء بالآخرين، تعد من الصفات الأخلاقية الحميدة، وهي رسالة تعبير صادقة عن المحبة والمودة تجاه من نلتقي بهم، بما يعبر عمّا في النفس من رغبة في اللقاء، وحرارة في الاستقبال.
والبشاشة من الأسس المهمة في تكوين الصداقات الناجحة، وبناء العلاقات الاجتماعية العامة، وفي نجاح الحياة الزوجية، بل وفي كل علاقة إنسانية قوية وناجحة.
وقد حثّ الرسول الأكرم ﷺ على التحلي بصفة البشاشة، وأن يلقى المسلم أخاه المسلم بطلاقة الوجه، وحسن البشر، فقد روي عن رسول الله ﷺ أنه قال: «يا بَني عَبدِ المُطَّلِبِ، إنَّكُم لَن تَسَعُوا النّاسَ بِأَموالِكُم، فَالقَوهُم بِطَلاقَةِ الوَجهِ وحُسنِ البِشرِ»[1] .
وعن أبي بصير، عن أبي جعفر قال: أتى رسول الله ﷺ رجل، فقال: يا رسول الله أوصني، فكان فيما أوصاه أن قال: «الْقَ أخاكَ بوجْهٍ مُنبسِطٍ»[2] .
وروي عن رسول الله ﷺ: «حُسنُ البِشرِ يَذهَبُ بِالسَّخيمَةِ[3] »[4] أي أن طلاقة الوجه، والبشاشة تذهب الأحقاد من النفس، وتصفي القلب من الضغائن والعداوات.
وروي عن رسول الله ﷺ أيضاً: «لا تُحَقِّرَنَّ شَيئاً مِنَ المَعروفِ، ولَو أن تَلقى أخاكَ ووَجهُكَ مَبسوطٌ إلَيهِ»[5] .
والبشاشة مفتاح القلوب، والطريق الأقصر نحو كسب محبة الآخرين ومودتهم، فقد روي عن أمير المؤمنين : «البَشاشَةُ فَخُّ المَوَدَّةِ»[6] فكما أن صيد الطيور يحتاج إلى فخ، فإن صيد القلوب يحتاج إلى فخ وهو البشاشة!
وقد استطاع رسول الله ﷺ أن يكسب حتى أصحاب القلوب الشديدة الإقفال بحسن بشاشته، وطلاقة وجهه، وابتسامته الصادقة. فقد ورد عن عبداللَّه بن الحارث بن حزم قال: «ما رَأَيتُ أحَداً أكثَرَ تَبَسُّماً مِنَ رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله»[7] .
فعلينا أن نقتدي برسول الله ﷺ وسيرته في كل شيء، ومنها: حسن البشر، والبشاشة والابتسامة في التعامل مع الناس.
فلا يمكن أن نؤثر في الآخرين إلا من خلال الأخلاق الحسنة، وحفاوة الاستقبال، والتعود على البشاشة، وطلاقة الوجه وانبساطه.
نستطيع بالابتسامة الصادقة، والبشاشة الحقيقية أن نصنع النجاح تلو النجاح، سواء على الصعيد الفردي أم على الصعيد الاجتماعي، بينما عبوس الوجه وتجهمه لا يمكن أن يصنع إلا الفشل.
والابتسامة الصادقة هي مفتاح لكل القلوب، وحتى القلوب الشديدة الإقفال، فإذا رأيت شخصاً عبوساً متجهماً تعبر قسمات وجهه عن هموم وغموم، فما عليك إلاّ أن تبتسم في وجهه، وسترى أنّه يبتسم بدوره بدون إرادة منه! وقد يصبح صديقاً مخلصاً لك!
والابتسامة رسالة حب ومودة وصدق وإخلاص، تعطيها للآخرين من غير مقابل، فتجني من ورائها الكثير من الخير، فهي عطاء وصدقة ومعروف كما تؤكده النصوص الدينية.
والابتسامة قد تحوِّل العدو إلى صديق، والبعيد إلى قريب، وتزيدك قرباً ممن تحب، ويأنس الناس إليك، وينبسطون لرؤيتك لما تتميز به من بشاشة وابتسامة صادقة.
والابتسامة علاج لبعض المشاكل، أو تسهم في علاجها وحلها إذا بدأت، كما أنها تقلل من الحزن والكرب والهم والغم، كما أنها تؤلف بين القلوب وتيسر المهمات، فإذا قابلت المشكلات والعقبات والصعاب بابتسامة، فقد قمت بجزء كبير من حلها؛ لأن ذلك يعبر عن الاستعداد الداخلي لحلها.
ومن الحقائق المهمة أنّ الابتسامة الصادقة تعبير عن شخصية سوية، بينما التجهم هو تعبير عن شخصية مريضة «من الحقائق التي لاحظها جمع من المشتغلين في حقل العلاج النفسي، أنّ هناك علاقة عضوية بين بعض الحركات التي تظهر على قسمات الوجه وبين السلامة النفسية أو المرض مثل تقطيب الجبين وزم الشفاه وتقليص الجفون ونحو ذلك»[8] .
ويضيف العلم قائلاً: «عندما يبتسم الإنسان تشترك في وجهه ثلاث عشرة عضلة، ولكن في حالة عبوسه تقوم بالعمل سبع وأربعون عضلة!! لماذا ترهق نفسك وأعصابك . .. اجعل البسمة هي إحدى سماتك الشخصية، فالبسمة الجميلة تزيد الوجه جمالاً وإشراقاً، وتؤثر تأثيراً فعالاً في القلوب، وتشيع البهجة والمرح بين الأصدقاء والمعارف، وفي المقابل تعلم أن تتخلص من العبوس والتقطيب؛ فإنّها تورث وجوهاً كالحة، وسحنات متجهمة، وشفاهاً مكشرة!»[9] .
ومن المؤكد أنّكَ ستكون عاجزاً عن كسب صداقة إنسان واحد، ما دمت تتعامل مع الآخرين بتجهم وتقطيب وجه، أما إذا كانت الابتسامة من سمات شخصيتك، فستكسب المئات بل الآلاف؛ وما عليك إلاّ أن تجرّب! فالتجربة خير برهان.
إن من أبرز عوامل نجاح السياحة في أي مجتمع هي البشاشة والابتسامة التي يتلقاها السائحون أينما حلوا وارتحلوا في المجتمعات والمواقع السياحية؛ ولذلك نجد أن أي بلد أو مجتمع ناجح سياحياً لابد وأن يتصف أهله بالبشاشة والابتسامة وحسن الاستقبال والرقي في التعامل.
ولأهمية البشاشة والابتسامة نجد أن الشركات والمؤسسات التجارية والسياحية في العالم تهتم كثيراً بتدريب موظفيها على البشاشة والابتسامة لجذب الزبائن والسواح والمتسوقين، وإلا فإن الفشل سيكون حليفهم.
تنقل قصة جميلة عن دور الابتسامة في التسويق والبيع؛ بينما تجهم الوجه وعبوسه يؤدي إلى تقلص المبيعات، ونفور الزبائن والمتسوقين.
إذ طلب عمّال أحد المحلات التجارية الكبيرة في باريس رفع أجورهم، فرفض ذلك صاحب العمل وأصرّ، فما كان من عمّاله إلاّ أن اتفقوا على أن لا يبتسموا للزبائن كردّ على صاحب المحل!
أدى ذلك إلى انخفاض دخل المحل في الأسبوع الأول حوالي 60% عن متوسط دخله في الأسابيع السابقة[10] .
لقد قال أهل الصين حكمة رائعة تقول: «إنّ الرجل الذي لا يعرف كيف يبتسم لا ينبغي له أن يفتتح متجراً!».
ونحن نقول: «إنّ الرجل الذي لا يعرف كيف يبتسم لا يستطيع أن يفتح قلباً واحداً!».
فالابتسامة الدافئة والصادقة هي إحدى أسرار النجاح، فهي مفتاح القلوب، وهي رمز المحبة والمودّة!
اكتساب العادات الحسنة والصفات الحميدة كالبشاشة والابتسامة في وجوه الآخرين بحاجة إلى تعود حتى تتحول إلى ملكة وعادة وطبيعة عند الإنسان، فإن لم تكن كذلك فعود نفسك على التجمل بهذه الصفة الأخلاقية الجميلة.
واعلم أن الابتسامة صدقة، فقد روي عن رسول الله ﷺ قوله: «وتَبَسُّمُكَ في وَجهِ أخيكَ صَدَقةٌ»[11] فالابتسامة -بالإضافة إلى أنها تبعث بمشاعر إيجابية تجاه الآخرين-فإن فيها أجراً وثواباً، فقد ورد عن أبي عبدالله الصادق أنه قال: « ثَلاثٌ مَن أَتى اللَّهَ بِواحِدَةٍ مِنهُنَّ أَوجَبَ اللَّهُ لَهُ الجَنَّةَ: الإِنفاقُ مِن إِقتارٍ[12] ، وَالبِشرُ لِجَمِيعِ العالَمِ، وَالإِنصافُ مِن نَفسِهِ»[13] بينما عبوس الوجه وتجهمه منهي عنه، لما روي عن رسول الله ﷺ أنه قال: « إنَّ اللَّهَ يُبغِضُ المُعَبِّسَ في وَجهِ إخوانِهِ»[14] لأنها من ذمائم الأخلاق، وتبعث بمشاعر سلبية تجاه المؤمنين، وتزرع الأحقاد والضغائن بينهم.
ومن الضروري أن نتعامل بشاشة وابتسامة مع الناس، وخصوصاً الأقربون إلينا كالأهل والعائلة والأرحام والأقارب والجيران، وأبناء الحي، وزملاء العمل وغيرهم.
كما يجب ألا يقتصر ذلك على فئة دون أخرى، أو أتباع مذهب دون آخر، أو دين دون دين، بل يجب أن نوزع ابتسامتنا على الجميع، ولتكن رسالة محبة ومودة لكسب الآخرين وجذبهم لما نراه صحيحاً، ونعتقد بصوابيته وأحقيته، فلا شيء كالبشاشة والابتسامة قادرة على إيصال صورة حسنة عنا، وعما نحمله من أفكار وآراء.