حكيمة الدعبل.. أخجلتِ الأُخوَّة والمروَّة
عندما قرأت القصة حديثة العهد وسمعت أحداثها من بطلتها وهي تروي موقفها النبيل والرائع الذي اهتزت له كل المشاعر الإنسانية، من الأخت الفاضلة الأستاذة حكيمة الدعبل، فقد أحدثت اهتزازًا اجتماعيًّا على الواقع الاجتماعي الافتراضي ”السوشال ميديا“، وعلى الواقع الاجتماعي الخارجي، إثر الموقف الأخوي الذي سجلته مع أخيها الوجيه صاحب السمعة العطرة والراية البيضاء أسريًّا واجتماعيًّا، وأستاذ الأخلاق والتواضع الرجل الصالح صاحب الظل الخفيف والابتسامة الرائعة، الأخ العزيز عبد العلي الدعبل «أبي محمد»، رجل الأعمال وصاحب سلسلة مطاعم الدعبل في جزيرة تاروت التي قاربت على الثلاثين عامًا، إذ اكتسبت مطاعمه شهرة واسعة في أرجاء المنطقة وخارجها، وأصبح يقصدها القاصي والداني، بوجبته الشعبية التي أطلق عليها أهالي جزيرة تاروت ”كبسة دعبل“.
حققت هذه الوجبة الغذائية الشعبية بعد هذا العمر الطويل شهرة واسعة ونجاحًا كبيرًا، وأظن أن كل من تناولها «أو سوف يتناولها» شعر بتذوق وجبة فريدة بطعمها اللذيذ والمميز.
بهذه الشهرة الواسعة الذي اكتسبتها وبهذا النجاح الهائل الذي حققتها هذه المطاعم بإدارة صاحبها، أصبحت مطاعم الدعبل واحدة من معالم جزيرة تاروت التاريخية، وأصبح يقصدها كل زائر للجزيرة لتناول وجبة كبسة الدعبل.
ما قامت به الأخت الأستاذة حكيمة الدعبل مع أخيها، هو تفسير حقيقي وجوهري لمعنى مفهوم الأخوة التي لا يماثلها صفة إنسانية أخرى، وفي الحقيقة ذكرني هذا الموقف الأخوي النبيل والمخلص بالموقف الديني والتاريخي البطولي الذي مثله سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين في يوم واقعة الطف كربلاء المقدسة عندما خاطب أخاه العباس قائلًا له: ”اركب بنفسي أنت“، وهذه الكلمة تعبر عن مفهوم لامع للأخوة، بل هي أعلى درجات روح الأخوة عندما يقدم الأخ لأخيه نفسه ليفديه بنفسه، والنفس هي أغلى ما يحملها الإنسان بين جنبيه.
وعندما نقول ما يفعله ويقوله النبي الكرم ﷺ أو الأئمة المعصومين فهو بذلك تقرير وحجة علينا، لا فقط من باب التبرك أو الدراسة والبحث وقراءة وحفظ النصوص الدينية والمواقف التاريخية فحسب، بل لأجل أن نتخذ منها دروسًا وعظة ومناهج حياة نطبقها على واقع حياتنا، ونعتبرها خارطة طريق تقودنا إلى سبيل النجاة.
الأخت حكيمة الدعبل لم تكن زينب بنت علي، ولكنها قامت بأحد أدوارها، حينما فدت مولاتنا زينب نفسها وأولادها من أجل أخيها الإمام الحسين، واختارت أن يكون أخاها حيًّا وتكون هي تحت التراب، وحكيمة هي زوجة وأم وهذا يعطيها ميزة أخرى ويضاعف أجرها عند الله ويرفع من قدرها ومكانتها عنده وفي عيون خلقه.
الأم لا أحد يستطيع ملء فراغها ومكانتها، فالأم يعجز القلم عن وصفها وكينونتها وقدرها وفضلها.
هي الحياة، بل هي الروح التي يعيش الجميع بنَفَسها المبارك، وحكيمة تعي كل هذا وأكثر غير أنها أبت إلا أن تفدي أخاها بنفسها وتهديها له طائعة غير مكرهة.
لم تكتفِ بأن قدمت عضوًا من جسدها، بل كل حياتها لأخيها، فاض عطاؤها الإنساني والأخلاقي بتتويج كلمة رائعة عن مفهوم الأخوة، وعاقبة الخلافات والخصومات العائلية، والتسارع إلى الصلح والبعد عن الشجار وعدم الالتفاف إلى صغائر الأمور، لأنه لا شيء يسد مكان الأخوة والرحم، بل عبرت عن هذا المفهوم على أنه أكبر نعمة أنعمها الله على عباده، فينبغي علينا المحافظة عليها ولا نهدرها بين القيل والقال.
ومن يعرف الأخ عبد العلي الدعبل يتبين له حقيقية هذا الإنسان، وكم هو رائع في سماته الإنسانية، فهو يحمل روحًا ملائكية في أخلاقه العالية وعطائه المميز وتواضعه الجم وعطفه الأبوي الذي يتحرك نحو الصغير والكبير، وكثيرة هي الصفات والسمات الجميلة التي يحملها ويتحلى بها هذا الإنسان الطيب.
يكفي أنه اختار أن يعمل الخير ويسعى له بصمت شديد، ولا يكشف عن تلك الأعمال المباركة والباقية غير ربه سبحانه على لسان من وُفق لخدمتهم وإنقاذهم وخلاصهم من بعض أعباء الحياة، كأن هو الإنسان الذي هبط عليهم من السماء لينتزعهم من الشقاء إلى الراحة، فضلًا عن إسهاماته الدينية ومشاركاته التي لا تعد ولا تحصى في كل مناسبة وموسم.
فلا عجب إذا رفع هذا العبد المؤمن الصالح رأسه إلى السماء ودعاء ربه بالفرج فيهب الله له ما يريد، بل يعطيه حتى يرضى في الدنيا والآخرة بعد عمر طويل، وهذا ثمار تربية أسرة صالحة وأب صالح وبالخصوص الأم الصالحة المؤمنة أم عبد العلي، التي أنتجت مثل هذا الابن البار وهذه البنت المؤمنة الصالحة والبارة، التي عبرت عن معنى الأخوة بكل جوانبها وأشكالها.
بالفعل أيتها البطلة الوفية حكيمة قد أوقعتِ الأخوة في خجل، وأوقعتِ الإنسانية في حرج، وقهرتِ النفس الأمَّارة بالسوء حين بذلت مهجتكِ لأخيكِ وانتصرتِ عليها وفزتِ برضا الله «سبحانه وتعالى»، أقولها لك وبكل تجرد لأنه ليس بين الإخوان والأخوات أي ألقاب..
شكرًا لك أخت حكيمة وحفظكم الله من كل الأسواء بحق محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين.