المنبر الحسيني.. الوائلي نموذجا
اليوم بفضل وسائل الاتصال الحديثة والتكنولوجيا المتطورة أصبح العالم قرية صغيرة هذا التطور أثر على مجمل حياة الإنسان ومن ذلك اثره الكبير على دور المجالس الحسينية لأهمية هذا الدور في نقل الوجه الحقيقي للإسلام وما جاء عن النبي ﷺ وأئمة أهل البيت ، مرت على البشرية ولازالت عمرا مديدا من التضليل الإعلامي والتعتيم والتزييف غاب عن كثير من البشرية تاريخ وتراث أهل البيت المشرف وواجب الأمة بالولاء والمودة لهم، وإظهار قضية عاشوراء وما واكبها من احداث جسام هزت ضمير الإنسانية، اليوم ايام عاشوراء منبر إعلامي يخافه أهل الباطل والإرهاب ومن يقف وراءهم، ان تنقل الصورة للعالم بطرق مدروسة وهادفة وافكار عقلانية تكرس فيها نقل الشعائر بصورة تؤثر وتؤدي الدور المناط بها وهو الإصلاح، ان تكون المجالس ذات أهداف واضحة ترتقي بفكر من يستمع عن طريق الحضور المباشر أو عن طريق وسائل الإتصال المسموعة والمرئية من فضائيات وغيرها، يحتاج المجلس الحسيني مواكبة التطور ان يخطوا بخطوات مدروسة والابتعاد عن مرويات وسير للتاريخ غير واقعية لا يمكن تبريرها أو قبولها من اتباع أهل البيت فضلا عن العالم الذي يتابع احداث هذه الواقعة العظيمة فحقائق النهضة المباركة موجودة في كتب واعلام اتباع اهل البيت وغيرهم من المفترض الرجوع لها والتأكد منه، او من لم يجد عنده القدرة الاستنباط والاطلاع والتحري عدم الاستعجال في طرح اي مسائل يمكن ان تكون ضررا على إحياء هذه الشعائر المباركة، كان الإمام صاحب دور ومشروع اصلاحي وكان منبر هداية ونصيحة فليكن الشعائر متابعة الإصلاح، فالمجالس الحسينية اتباعها اليوم بالملايين وعلى مدار الساعة في جميع قارات الأرض وهناك مسؤولية شرعية وإنسانية ان يصل صوت الامام الحسين للعالم، ان ما يقدمه اتباع اهل البيت في هذه الأيام من خدمات جليله وحضور مليوني وتضحيات جسام رغم أهميته وعظمته لا يقارن بما قام به الإمام واصحابه في كربلاء ولهذا يجب ان تعطى الشعائر الأهمية ان تصل للعالم بأساليب اقناعية والساحة بمشيئة الله بخير والأمل كبير بالموجودين من علماء ومشايخ وخطباء المجالس، ان يعطى المجلس ابعاده الحقيقية بمواضيع ذات ابعاد إنسانية واجتماعية وإصلاحية مدروسة ليس مجرد أساطير وخرافات تسئ للمجلس وقداسته، ليبقى المنبر معلما صافيا ومشرقا، وهذا يستلزم وصايا وتوجيهات ومتابعة من قبل المراجع العظام والعلماء الاجلاء المشايخ الكرام والخطباء المحترمين بما يملكون من مكانة علمية، وما لدورهم من أهمية وكلمة مسموعة وكذلك دور المنبر باعتباره القناة التي يتم رسم صورة التشيع من خلالها في اذهان عامة الناس والعمل على كسبهم الى مدرسة أهل البيت، جعل المنبر له اساسيات لا يجب الحياد او التخلي عنها.
فالعالم على أبواب شهر محرم الحرام ينتظر بلهفة وشوق ليعانق فيه قيم السماء المتمثلة في عظمة المصاب، تنطلق الأصوات الحزينة من كل الأفواه في كلمات ومصطلحات خاصة بهذه الشعائر، اجيال وأجيال ارتبطت واهتدت بنهج المنبر الحسيني وهناك اعلام ارتقت المنبر واعطت الكثير وطورت من أسلوب القراءة الحسينية، ومن اولئك الأعلام هو عميد المنبر الحسيني وشيخ الخطباء الشيخ الدكتور أحمد الوائلي رحمه الله عاش في النجف الأشرف حيث برزت في شخصيته إمارات النبوغ وسمات التفوق في بيئة النجف الزاخرة بمراجعها العظام ووسط طوفان من العلماء الاكابر في جو مفعم بالعلم والإيمان فقد أعطى للمنبر مكانته وطوره واصبح سيد للمنبر خلال حياته المفعمة بالعطاء، عشقته القلوب قبل الأذان وارتبطت به لما تميزت خطاباته الحسينية الراقية ومواضيعه المفيدة المشتملة على كثير من العلوم مما ينم عن ثقافة عالية نالت استحسان جميع الأطياف والفرق لمنهجيته ودقة أداءه وموضوعيته في الإلمام بمختلف القضايا والشؤون الدينية والإسلامية والاجتماعية التي استفاد منها ليس اتباع اهل البيت بل مختلف أفراد المجتمع من اتباع اهل البيت وغيرهم، واصبح علامة فارقة يتجمع تحت ظلها اكثر الأطراف الا ما شذ وانحرف، كانت محاضرات الشيخ الفاضل ذات مواضيع محددة ودقيقة يجبر فيه المستمع للإصغاء والمتابعة ولا يجد عناء في فهم الموضوع لسهولة الطرح وعدم تشتيت عقل المستمع في متاهات متعددة وغير واقعية ويختم محاضرته بسلاسة والدخول للمصاب بدون رتوشات غير واقعية وقصص خيالية يبحث عن الحقيقة ويطرحها وتدخل للقلوب بكل أريحية لما لديه من قدرة على الربط بين المقدمة والموضوع والخاتمة باحترافية قل نظيرها في احترام عقلية المستمع والمحافظة على مكانة المنبر العظيمة، مبتعدا عن الأمور الغير واقعية وبعضها مخالف لقيم ومكانة اهل البيت ، فلم يكن همه استدرار الدمعة بأي طريقة او اتباع أساطير على حساب قدسية المكان والمضمون والفكرة المتزنة، يستمد معلوماته الواقعية من مصادر أهل البيت الموثوقة اصبح بهذا المستوى الراقي أن يكون موسوعة ثقافية متنقلة يتحدث بكل موثوقية في البعد الديني او التاريخي او الاجتماعي والتفسير ومع ابيات من الشعر الكثيرة سواء ما قام بتأليفها او حفظها من كبار الشعراء حيث اشتهر باستخدام الشعر في جميع محاضراته مما ينم عن قوة الحفظ والبديهية مما جعله يعطي للمجلس هيبته واحترامه فكان بحق مدرسة جاءت ببركات وتوفيق صاحب المصيبة سيد الشهداء ابا عبدالله الحسين ، فقد ربط الشيخ الفاضل بين اتباع اهل البيت وغيرهم بقضية شهادة الامام في كربلاء ومصرعهم جميعا على يدي الفئة الباغية.
وكذلك كان يملك قوة الحجة في الرد على المخالفين بالأدلة الشرعية والبرهان والمنطق يقارع الحجة بالحجة بأسلوب راقي ومؤدب وعقلاني ومنطقي بما ارتبط سماحته بالبعد القراني واحاديث وأقوال الائمة ، ساهم رحمه الله بدفع كثيرا من الشبهات عن الشعائر الحسينية، والافتراءات التي أتت من المخالفين لقيم أهل البيت ، لم يتعصب لرأي بل كانت الحقيقية هدفه والدفاع عن قيم أهل البيت همه وتطهير المجلس الحسيني من الأساطير مبتغاه.
الشيخ الوائلي بما قدم من خدمة جليلة للمنبر الحسيني والمجتمع من قيم وتربية وثقافة رصينة لم يسلم من التسقيط والتجريح والشتم من فئات اخدت على عاتقها هذا الفعل البعيد عن خلق اهل البيت ، خرجت عن أساليب النقد البناء وعلى اساس علمي ومنهجي يقارع الحجة بالحجة والاختلاف بالمعالجة بواقعية الى انحدار بالتفسيق والضلال وغير ذلك بما جادت به أنفسهم وتعودوا عليه وأصبحت سمة من سماتهم.
فرغم حساسية النقد خصوصا في ما يتعلق بالشعائر الحسينية التي تعتبر من المقدسات عند اتباع أهل البيت ، فالنقد البناء وبأسلوب مؤدب وحضاري وبنية صادقة، يبقى حاله إيجابية قابلة للنقاش من أجل التطوير والارتقاء وابراز أهداف الإسلام الحقه، فالمنبر الحسيني والقائمين عليه من علماء ومشايخ اجلاء وخطباء محترمين، ليسوا من اهل العصمة وليس خارجين عن نطاق النقد البناء، نقد ليس من اجل توهين المجالس الحسينية وترجع بالضرر على الشعائر ومكانتها، بل من يقدم النقد يملك الثقافة والقدرة والعلم لتقديم النقد والتصحيح وهي ظاهرة يجب ان تعمم حتى لا تبقى الشعائر في محلك سر، بدون مواكبة التطورات من حولنا، النقد يكون على أسس شرعية بدون اخد مواقف مسبقة، فأتباع ومحبي كل طرف توجد لهم حساسية من مشايخهم وتوجهاتهم، فبعض الخطباء محسوبين على توجه معين، يعتبرون التعرض لخطبائهم خط احمر، تفعل العاطفة بدل العقل، وتكثر مثل هذه الأمور في الشعائر الحسينية، يعتبرون اي نقد هو أضعاف هذه الشعائر، وهي ليس قران منزل، تطورت منذ حياة الائمة ، حتى وصلت الى ماهي عليه من تطور، بعد ما تشرف بدأت على عهد أئمة أهل البيت وتطورت على يد العلماء بتطويرها وتنقيحها ومحاولات جاده ومستمرة ليكون منبرا هداية وصلاح وهذا لم ولن يتم الا بعد اعتماد المصادر الموثوقة واستبعاد الأساطير والخرافات من روايات وقصص لاتمت للحقيقة.
فالنقاش او الاختلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية توجد ادلة يمكن الرجوع لها واحاديث وكلمات أئمة اهل البيت كفيله بتصويب البوصلة والوصول لبر الامان بدون خسائر وتفرقة وتباعد تصل للعداوات، يحاول الجميع عدم ترك ساحة لكل مخرب او ضعيف نفس او عنده اشتباه جهلا أو عمدا ممن لا وعيا دينيا او علميا او ثقافيا ينتقد قامات علمية ارفع من مستواه ويسبب للمجتمع أضرار في غنى عنها.
فالدعوة الى دراسة واقع المجالس الحسينية وتجديد اساليبها ليس من المحرمات التي تصل الى الكفر تحتاج هذه الدراسة الى مراجع الامة وعلماءها ومثقفيها تدرس كل تلك الاطروحات بعناية وروية حتى تخرج للعالم كمدرسة تمثل قيم أهل البيت وترفع من قيمة اتباعهم بما يتمتعون فيه من صيانة واستمرارية الشعائر على اكمل وجه، فالعالم يتطور باتصالاته واستخدام تقنيات حديثه تخدم الشعائر واليوم العالم قرية صغيرة تتناقل فيها الصورة بالصوت مباشرة، ولهذا يحتاج ما ينقل للعالم ان يكون مدروسا ومنقحا ومن مصادر موثوقة، حتى لا يعطى مجال لضعاف النفوس والمبغضين ان ينتقدوا هذه الشعائر او يستنقصوا من شأنها.
فالشيخ الوائلي رحمه الله من المجددين في تقديم نقله عظيمه في أسلوب تقديم محاضراته ونقل المعلومة من مصادرها الموثوقة فملك مصداقية بين كافة الأطياف، وقدم ملاحظاته ونقده حسب مكانته العلمية وموضعه الديني وثقافته العالية والمشهود له بالإطلاع وتقديم وجهة نظره علمية بكل شجاعة قابلة للقبول والنقاش والرد عليها من القران الكريم والعترة والتاريخ والسير، الرد مكفول للجميع من لديه علم وتقوى ورغبه في الوصول الى نتائج تخدم الشعائر الحسينية المقدسة، فكم من المراجع تعرض للنقد لمجرد ابداء رأيه حسب مسؤوليته الدينه وواجبه الشرعي وقوبل بالشتم وصولا والعياذ بالله بالتفسيق والخروج من الملة، وهذا أسلوب الضعيف ان يأخد الناس بالصوت والهمجية، يمكن نتفق مع الشيخ الوائلي رحمه الله ونختلف معه بآداب أهل البيت ، فالشيخ جعل المنبر الحسيني ليس منبر بكائيات رغم عظمة وعلو شأن البكائين على الإمام الحسين ، أسلوب جلب الدمعة تحتاج الى واقعية ومصداقية بأحاديث موثقه وسيرة مدروسة، ليس من اجل البكاء تختلق بعض القصص الغير واقعية والأساطير الخرافية لا يقبلها العقل، جيل الحاضر متعلم يحتاج الى قناعة، لا تشويش أفكاره وابتعاده عن خط أهل البيت بسير وقصص مبالغ فيها فقط من اجل خلق واقع يدخل الحزن على الحضور.
انتقد الشيخ لبعض الشعائر او الترضي على البعض فهناك قنوات حضارية للنقد والأئمة واجهوا مخالفيهم بالكلمة الطيبة، فالشعائر ليست قرآنا منزلا والشيخ ليس من اهل العصمة، ان ينزل هذا الاختلاف للشارع ويتناقله من ليس له علم او معرفة وتخلق فتنة في المجتمع ليفتح باب من أبواب الخراب والتفرقة هناك قنوات كثيرة ومراجع للأمه يملكون العلم والمعرفة للوصول لما يحفظ المجتمع.
حسب علمنا المحدود لم نسمع او نشاهد ان مرجعاً من المراجع العظام شتم وكفر وفسق الشيخ الوائلي لان ليس من اسلوبهم ومكانتهم العلمية ان ينزلوا لهذا المستوى، لهم أساليبهم المقبولة والمحترمة في ايصال رأيهم، حتى لم يوجد احد في مستوى الشيخ علما ومكانة كفر وفسق الشيخ، خدمة المنبر الحسيني لها المكانة العظيمة عند أهل البيت في تقديم عزاء للسيدة فاطمة الزهراء في ابنها سيد شباب اهل الجنة، الألفاظ الخادشة والعبارات الجارحة واللعن والسخرية وغيرها من البذاءات الكثيرة مرفوضة، ان ذلك يسيء للجميع ان يصل حال الأمه الى هذا المنحدر السحيق، لا تخدم الا الأعداء والمتربصين تفرح قلوبهم، وبالتأكيد ان كل ذلك لا يسر صاحب المصيبة بل يحزنه ذلك، المجالس مكان للتزود بالتقوى والصلاح ومكارم الاخلاق، لا ان تخرج الأمور عن السيطرة ويلعن خدام الإمام الحسين في مرقده، يجب ان تنبذ مثل تلك الأصوات النشاز ومرحبا بكل انتقاد ونصيحة تخدم الشعائر وتوحد المجتمع، للجميع رموز تحتاج من الجميع تفعيل الاحترام المتبادل خدمة للحسين ، حتى لا تصل النار للجميع وينالون غضب الائمة ، كل تلك الأمور تختفي وراءها اجندات لا تتمنى الخير للمجتمع.
رحل الشيخ الفاضل رحمه الله وترك رحيله فراغا كبيرا وواسعا في الساحة الخطابية لم ينسى من محبيه حافظوا على تراثه المفعم بقيم اهل البيت ، تبرز هذا التراث الزاخر والثقافة الولائية العظيمة. توفى رضوان الله عليه في مدينة الكاظمية وقد عمل له تشييع مهيب حضره آلاف العراقيين في ظروف كان العراق يمر فيها بظروف صعبه وتدهور أمني رحل عن العراق ومقدساتها وهو الهيمان حبا لها ارتبط بالعراق بما يملك هذا البلد العظيم من اجساد طاهرة وتراث حضاري مرتبط بأهل البيت ، تشرف خلال عمره بخدمتها. أقيمت له مجالس الفاتحة في العديد من العواصم العربية والإسلامية والعالمية، ودفن بمدينة النجف الأشرف.
ذهب الى لقاء من احبهم وافنى حياته في خدمتهم، وعلى يديه تعمق الارتباط بين أفراد المجتمع والشعائر الحسينية كان شعلة هداية وصلاح، عالما جليل، خطيب متكلم شاعر مفعم وأديب مفوه وكاتب متمرس على مدى أربعين عام لم يخلو بيت من صوته المدوي.